حمل مصحف

حمل المصحف

الخميس، 20 أكتوبر 2022

حكم حد الحرابة

 

حكم حد الحرابة

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

الحِرَابَة هي قطع الطريق للسرقة والنهب وكانت الحِرابة منتشرة منذ القدم في شبه الجزيرة العربية،   وكانت لها آثار سلبية لما فيها من قتل وسفك للدماء وسبي النساء والذراري وقطع للنسل. وتكون الحرابة بخروج جماعة مسلحة مشهرةً اجرامها بالسرقة والنهب والقتل، ولكن ظهور الإسلام حد من هذه الظاهرة وكان للإسلام حكم آخر للحِرابة.

محتويات 1 حكم الحِرابة في الإسلام 2 شروط الحِرابة 3 سقوط حد الحرابة بالتوبة 4 اقسام الحد 5 انظر أيضا 6 المراجع حكم الحِرابة في الإسلام اتى حكم الإسلام لها (أي الحِرابة) من قول الله -تعالى- في القرآن الكريم:

[[ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ -إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 

  فهي محرمة على حسب الشرع ولكن اختلف بعض العلماء في كيفيتها، فقال بعض العلماء انها لا تكون حِرابة الا إذا كانت في خارج المدينة أو على أطرافها أما إذا كانت داخل المدينة فتسمى بحسب الجريمة المرتكبة فان كانت قتلاً فحكمها حكم القتل وان كانت سرقةً فحكمها سرقة وان تشابهت مع الحِراب وقال شق آخر من العلماء أنها تكون في داخل وخارج المدينة طالما توافرت فيها شروط ومواصفات الحرابة، وقيل انه إذا كانت في المدينة وكان في المقدور الاستغاثة فلا تسمى حِرابة وقال البعض انها حِرابة لشمول الآية.

شروط الحِرابة 

1.المجاهرة بها 

2.واشهارها فهي تقوم على عدم الخوف.

3.أن تكون بجماعة (واختلف العلماء بشرط الجماعة).

4.أن تكون بسلاح.

5. أن يكون قاطع الطريق مختاراً لا مكرها فإن ثبت أنه مكره أو مجبر. لا يقام عليه حد قاطع الطريق. وإنما مرجع الحكم فيه إلي ما يراه القاضي.

6. أن يكون بالغًا عاقلا، فإن كان صبيَّا صغيرًا، واشترك مع غيره في قطع الطريق أو كان مجنونًا فلا حد عليه.

7. إن هجم على قافلة ونهب منها في العلن وهرب، فهو ناهب ولا يقام عليه حد الحرابة.

سقوط حد الحرابة بالتوبة

{{{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 

يسقط حد الحرابة بتوبة الجانى أو قاطع الطريق قبل القدرة عليه.

اقسام الحد

يحق للحاكم ان يختار من العقوبات الواردة ما يشاء:

  1.القتل أو

2. أو الصلب

3. أو قطع ايدي وارجل من خلاف

4. أو النفي قلت المدون {ولا يكون الا خارج كوكب الارض كالمريخ مثلا او كناية عن اعدامه حتي يتحقق نفيه من الارض ولفظ الارض كل لا يغتي عنه بعضٍ}

======

كتاب الدماء والقصاص والديات المحلي

2101 - مسألة: فيمن قتل إنسانا يجود بنفسه للموت

قال علي : روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن أزهر ، حدثنا زهير عن جابر عن الشعبي في رجل قتل رجلا قد ذهبت الروح من نصف جسده قال : يضمنه.

قال علي : لا يختلف اثنان من الأمة كلها في أن من قربت نفسه من الزهوق بعلة , أو بجراحة , أو بجناية بعمد , أو خطأ , فمات له ميت , فإنه يرثه وإن كان عبدا فأعتق , فإنه يرثه ورثته من الأحرار وأنه إن قدر على الكلام فأسلم وكان كافرا وهو يميز بعد فإنه مسلم يرثه أهله من المسلمين , وأنه إن عاين وشخص ولو يكن بينه وبين الموت إلا نفس واحد , فمات من أوصى له بوصية , فإنه قد استحق الوصية , ويرثها عنه ورثته. فصح أنه حي بعد بلا شك , إذ لا يختلف اثنان من أهل الشريعة وغيرهم , في أنه ليس إلا حي أو ميت , ولا سبيل إلى القسم , فإذ هو كذلك , وكنا على يقين من أن الله تعالى قد حرم إعجال موته وغمه , ومنعه النفس : فبيقين وضرورة ندري أن قاتله قاتل نفس بلا شك , فمن قتله في تلك الحال عمدا : فهو قاتل نفس عمدا , ومن قتله خطأ فهو قاتل خطأ وعلى العامد : القود , أو الدية , أو المفاداة , وعلى المخطئ الكفارة , والدية على عاقلته ,

وكذلك في أعضائه القود في العمد وبالله تعالى التوفيق.

2102- مسألة: هل للولي عفو في قتل الغيلة أو الحرابة ؟

قال علي : اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : لا عفو في ذلك للولي :

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه ، أنه قال في قتل الغيلة : إذا بلغ الإمام , فليس لولي المقتول أن يعفو , وليس للإمام أن يعفو , وإنما هو حد من حدود الله تعالى.

قال علي : وبهذا يقول مالك , ورأى ذلك أيضا في قاتل الحرابة حتى إنه رأى في ذلك أن يقتل المؤمن بالكافر. وقال آخرون : بل لوليه ما لولي غيره من القتل , أو العفو , أو الدية.

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سماك بن الفضل : أن عروة كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل خنق صبيا على أوضاح له حتى قتله , فوجدوه والحبل في يده , فاعترف بذلك , فكتب : أن ادفعوه إلى أولياء الصبي , فإن شاءوا قتلوه. وبهذا يقول أبو حنيفة , والشافعي , وأبو سليمان , وأصحابهم.

قال أبو محمد : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الصواب في ذلك من الخطأ فوجدنا القائلين في ذلك بأنه ليس للولي عفو في ذلك يحتجون :

بما روينا من طريق مسلم ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس أن رجلا من اليهود قتل جارية من الأنصار على حلي لها , ثم ألقاها في القليب , ورضخ رأسها بالحجارة , فأخذ وأتي به رسول الله ﷺ فأقر , فأمر به أن يرجم , فرجم حتى مات.

ومن طريق مسلم ، حدثنا هداب بن خالد ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة عن أنس بن مالك أن جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين فسألوها من صنع هذا بك فلان , فلان حتى ذكروا يهوديا , فأومأت برأسها , فأخذ اليهودي فأقر فأمر به رسول الله ﷺ أن يرضوا رأسه بالحجارة.

ومن طريق مسلم في حديث العرنيين فذكر الحديث وفيه " فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم , ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا. وذكروا ما حدثناه أحمد بن عمر ، حدثنا الحسين بن يعقوب ، حدثنا سعد بن فلحون ، حدثنا يوسف بن يحيى المعافري ، حدثنا عبد الملك بن حبيب عن مطرف ، عن ابن أبي ذئب عن مسلم بن حبيب الهذلي : أن عبد الله بن عامر كتب إلى عثمان بن عفان : أن رجلا من المسلمين عدا على دهقان فقتله على ماله فكتب إليه عثمان : أن اقتله به فإن هذا قتل غيلة على الحرابة. وبه إلى عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن خاله الحارث بن عبد الرحمن : أن رجلا مسلما في زمان أبان بن عثمان بن عفان قتل نبطيا بذي حميت على مال معه , فرأيت أبان بن عثمان أمر بالمسلم فقتل بالنبطي , لقتله إياه غيلة فرأيته حتى ضربت عنقه. وعن عبد الملك بن حبيب عن مطرف ، عن ابن أبي الزناد عن أبيه أنه شهد أبان بن عثمان , إذ قتل مسلما بنصراني قتله قتل غيلة.

قال علي : فقالوا : هذا رسول الله ﷺ قد قتل اليهودي , ولم يجعل ذلك خيارا لأولياء الجارية.

وكذلك قتل العرنيين الذين قتلوا الرعاء قتل حرابة وغيلة ولم يذكروا أنه عليه الصلاة والسلام جعل في ذلك خيارا لأولياء الرعاء. قالوا : وهذا عثمان رضي الله تعالى عنه قد قتل المسلم بالكافر , إذ قتله غيلة , ولم يجعل في ذلك خيارا لوليه , ولا يعرف له في ذلك مخالف

قال أبو محمد : ما نعلم لهم شيئا يشغبون به إلا هذا , وكله لا حجة لهم في شيء منه : أما حديث اليهودي الذي رضخ رأس الجارية على أوضاحها فليس فيه : أن رسول الله ﷺ لم يشاور وليها , ولا أنه شاوره , ولا ، أنه قال " اختر " لولي المقتول في الغيلة , أو الحرابة , فإذا لم يقل ذلك عليه الصلاة والسلام فلا يحل لمسلم أن ينسب ذلك إلى رسول الله ﷺ فيكذب عليه , ويقول عليه ما لم يقل. فكيف  وهذا الخبر حجة عليهم فإنهم لا يختلفون في أن قاتل الغيلة , أو الحرابة لا يجوز ألبتة أن يقتل رضخا في الرأس بالحجارة , ولا رجما , وهذا ما لا يقوله أحد من الناس. فصح يقينا إذ قتله رسول الله ﷺ رضخا بالحجارة أنه إنما قتله قودا بالحجارة وإذ قتله قودا بها , فحكم قتل القود أن يكون بالخيار في ذلك , أو العفو للولي , وإذ ذلك كذلك بلا شك , فقد صح عن النبي ﷺ ، أنه قال : من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إلى آخره. فنحن على يقين من أن فرضا على كل أحد أن يضم هذا الحكم إلى هذا الخبر وليس سكوت الرواة عن أن رسول الله ﷺ خير وليها بمسقط ما أوجبه رسول الله ﷺ في القتل من تخيير وليه , بل بلا شك في أنه عليه الصلاة والسلام لم يخالف ما أمر به , ولا يخلو هذا مما ذكرنا من قبول الزيادة المروية في سائر النصوص أصلا ولو كان هذا الفعل تخصيصا أو نسخا لبينه عليه السلام , فبطل تعلقهم وبالله تعالى التوفيق.

وأما حديث العرنيين فلا حجة لهم فيه أيضا .

لما ذكرنا في هذا الخبر سواء سواء من أنه ليس فيه أنه عليه الصلاة والسلام لم يشاور أولياء الرعاء إن كان لهم أولياء ، ولا ، أنه قال : لا خيار في هذا لولي المقتول , فإذ ليس فيه شيء من هذا فلا حجة لهم ، ولا لنا بهذا الخبر في هذه المسألة خاصة فوجب علينا طلب حكمها بموضع آخر. ثم إن هذا الخبر حجة عليهم , ل

ما روينا من طريق مسلم ، حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ، حدثنا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب , وحميد عن أنس : أن ناسا من عرينة قدموا وذكر الحديث , وفيه : أنهم قتلوا الرعاء , وارتدوا عن الإسلام , وساقوا ذود رسول الله ﷺ فبعث في آثارهم فأتي بهم , فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا.

قال أبو محمد : فهؤلاء ارتدوا عن الإسلام , والمالكيون هم على خلاف هذا الحكم من وجوه ثلاثة : أحدها أنه لا يقتل المرتد عندهم ، ولا عندنا هذه القتلة أصلا.

والثاني أنه لا يقتص عندهم من المرتد , وإنما هو عندهم القتل أو الترك , إن تاب. والثالث أنهم يقولون باستتابة المرتد , وليس في هذا الحديث ذكر استتابته ألبتة , فعاد حجة عليهم , ومخالفا لقولهم في هذه المسألة وغيرها.

قال علي : وأما الرواية عن عثمان فضعيفة جدا لأنها عن عبد الملك بن حبيب وهو ساقط الرواية جدا ثم عن مسلم بن جندب ولم يدرك عثمان.

وأيضا فلا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ فكم قصة خالفوا فيها عثمان رضي الله عنه بأصح من هذا السند كقضائه في ثلث الدية فيمن ضرب آخر حتى سلح ، ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة ، رضي الله عنهم ، , ومن المحال أن يكون ما لم يصح عنه حجة في إباحة الدماء , ولا يكون ما صح عنه حجة في غير ذلك

قال أبو محمد : فإذ قد بطل تعلقهم بالخبرين بما ذكرنا , وبأنه قد يكون للأنصارية ولي صغير لا خيار له فاختار النبي ﷺ القود هذا لو صح أنه عليه الصلاة والسلام لم يخير الولي فكيف وهو لا يصح أبدا.

وكذلك الرعاء قد يمكن أن يكونوا غرباء لا ولي لهم فالواجب الرجوع إلى قوله تعالى , وقول رسول الله ﷺ إذ يقول تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} الآية , فوجدنا الله تعالى يقول {كتب عليكم القصاص في القتلى} إلى قوله تعالى {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} فعم تعالى كل قتل , كما ذكر تعالى , وجعل العفو في ذلك للولي. وصح عن رسول الله ﷺ ، أنه قال : ومن قتل له قتيل بعد مقالتي هذه فأهله بين خيرتين فذكر الدية , أو القود , أو المفاداة والدية لا تكون إلا بالعفو عن القود بلا شك , فعم عليه الصلاة والسلام ولم يخص. ونحن نشهد بشهادة الله تعالى : أن الله تعالى لو أراد أن يخص من ذلك قتل غيلة , أو حرابة , لما أغفله ، ولا أهمله ولبينه ﷺ . ووجدنا الله تعالى قد حد الحرابة أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض , فلا تخلو هذه الآية من أن تكون على الترتيب , أو التخيير , فإن كانت على الترتيب , فالمالكيون لا يقولون بهذا " وإن كانت على التخيير

وهو قولهم فليس في الآية ما يدعونه من أن قاتل الحرابة , والغيلة لا خيار فيه لولي القتيل فخرج قولهم عن أن يكون له متعلق , أو سبب يصح , فبطل ما قالوه وبالله تعالى التوفيق.

2103 - مسألة: خلع الجاني

قال أبو محمد : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني ، حدثنا إبراهيم بن أحمد ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدي ، حدثنا الحجاج بن أبي عثمان حدثني أبو رجاء من آل أبي قلابة ، حدثنا أبو قلابة : أن عمر بن عبد العزيز جمع الناس وفيهم أبو قلابة فذكر حديثا وفيه : أن أبا قلابة قال لعمر بن عبد العزيز : وقد كانت هذيل خلعت خليعا لهم في الجاهلية فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجل منهم فحذفه بالسيف فقتله , فجاءت هذيل فأخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر بن الخطاب بالموسم , وقالوا : قتل صاحبنا , فقال : إنهم قد خلعوه , فقال عمر : يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه , فأقسم تسعة وأربعون من هذيل , وقدم رجل منهم من الشام فسألوه أن يقسم , فافتدى يمينه منهم بألف درهم , فأدخلوا مكانه رجلا آخر , فدفعه عمر إلى أخي المقتول فقرنت يده بيده قال : فانطلقا والخمسون الذين أقسموا حتى إذا كانوا بنخلة أخذتهم السماء فدخلوا في غار في جبل , فانهدم الغار على الخمسين الذين أقسموا , فماتوا جميعا , وأفلت القرينان , فاتبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول , فعاش حولا ثم مات.

ومن طريق عبد الرزاق عن عمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة قال : خلع قوم من هذيل سارقا لهم كان يسرق الحجيج , فقالوا : قد خلعناه , فمن وجده بسرقة فدمه هدر فوجدته رفقة من أهل اليمن يسرقهم فقتلوه , فجاء قومه عمر بن الخطاب فحلفوا : بالله ما خلعناه , ولقد كذب الناس علينا , فأحلفهم عمر خمسين يمينا , ثم أخذ عمر بيد رجل من الرفقة فقال : أقرنوا هذا إلى أحدكم حتى يؤدي دية صاحبكم , فانطلقوا حتى إذا دنوا من أرضهم أصابهم مطر شديد واستتروا بجبل طويل وقد أمسوا فلما نزلوا كلهم انقض عليهم الجبل , فلم ينج منهم أحد , ولا من ركابهم إلا الشريد , وصاحبه , فكان يحدث بما لقي قومه.

قال أبو محمد : وعهدنا بالمالكيين , والحنفيين يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف إذا وافق أهواءهم ويقولون : إن المرسل كالمسند , وهذا من أحسن المراسيل إلى عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة ، رضي الله عنهم ، لا مخالف له منهم , ولا نكير من أحدهم , فيلزمهم على أصولهم أن يجيزوا خلع عشيرة الرجل له , فلا يكون لهم طلب بدمه إن قتل وهذا ما لا يقولونه أصلا فقد هان عليهم خلاف هذا الأصل.

وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله ﷺ , فإذ لم يأت عنه إجازة خلع , فالخلع باطل لا معنى له , فكل جان بعمد فليس على عشيرته من جنايته تبعة , وكل جان بخطأ فكذلك , إلا ما أوجبه نص أو إجماع وبالله تعالى التوفيق.

==

وفي صحيح البخاري

90 - كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة. وقول الله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتَّلوا أو يصلَّبوا أو تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} /المائدة: 33/. 6417 - حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا الأوزاعي: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو قلابة الجرمي، عن أنس رضي الله عنه قال: قدم على النبي ﷺ نفر من عكل، فأسلموا، فاجتووا المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحُّوا، فارتدُّوا وقتلوا رعاتها، واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، ثم لم يحسمهم حتى ماتوا.

[ر:231] 1 - باب: لم يحسم النبي ﷺ المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا. 6418 - حدثنا محمد بن الصلت أبو يعلى: حدثنا الوليد: حدثني الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أنس: أن النبي ﷺ قطع العرنيين ولم يحسمهم حتى ماتوا.

[ر:231] 2 - باب: لم يسق المرتدون المحاربون حتى ماتوا. 6419 - حدثنا موسى بن إسماعيل، عن وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رهط من عكل على النبي ﷺ، كانوا في الصُّفَّة، فاجتووا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أبغنا رِسْلاً، فقال: (ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله ﷺ). فأتوها، فشربوا من ألبانها وأبوالها، حتى صحُّوا وسمنوا وقتلوا الراعي واستاقوا الذود، فأتى النبي ﷺ الصريخ، فبعث الطلب في آثارهم، فما ترجَّل النهار حتى أتي بهم، فأمر بمسامير فأحميت، فكحلهم، وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم، ثم ألقوا في الحرة، يستسقون فما سقوا حتى ماتوا.

قال أبو قلابة: سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله. [ر:231] 3 - باب: سمر النبي ﷺ أعين المحاربين. 6420 - حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا حمَّاد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك: أن رهطاً من عكل، أو قال: عرينة، ولا أعلمه إلا قال: من عكل، قدموا المدينة، فأمر لهم النبي ﷺ بلقاح، وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها، فشربوا حتى إذا برئوا قتلوا الراعي واستاقوا النعم، فبلغ النبي ﷺ غدوة، فبعث الطلب في إثرهم، فما ارتفع النهار حتى جئ بهم، فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، فألقوا بالحرة يستسقون فلا يسقون.

قال أبو قلابة: هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله. [ر:231] 4 - باب: فضل من ترك الفواحش. 6421 - حدثنا محمد بن سلام: أخبرنا عبد الله، عن عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: (سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق في المسجد، ورجلان تحابا في الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه).

[ر:629] 6422 - حدثنا محمد بن أبي بكر: حدثنا عمر بن علي. وحدثني خليفة: حدثنا عمر بن علي: حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد الساعدي: قال النبي ﷺ: (من توكَّل لي ما بين رجليه وما بين لحييه توكَّلت له بالجنة).

[ر:6109] 5 - باب: إثم الزناة. وقول الله تعالى: {ولا يزنون} /الفرقان: 68/. {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} /الإسراء: 32/.

6423 - أخبرنا داود بن شبيب: حدثنا همَّام، عن قتادة: أخبرنا أنس بن مالك قال: لأحدثنَّكم حديثاً لا يحدِّثكموه أحد بعدي، سمعته من النبي ﷺ، سمعت النبي ﷺ يقول: (لا تقوم الساعة - وإما قال: من أشراط الساعة - أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا، ويقلَّ الرجال، ويكثر النساء حتى يكون للخمسين امرأة القيم الواحد).

[ر:80] 6424 - حدثنا محمد بن المثنَّى: أخبرنا إسحق بن يوسف: أخبرنا الفضيل بن غزوان، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن، ولا يقتل وهو مؤمن). قال عكرمة: قلت لابن عباس: كيف ينزع الإيمان منه؟ قال: هكذا، وشبك بين أصابعه، ثم أخرجها، فإن تاب عاد إليه هكذا، وشبك بين أصابعه.

[ر:6400] 6425 - حدثنا آدم: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن ذكوان، عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد).

[ر:2343] 6426 - حدثنا عمرو بن علي: حدثنا يحيى: حدثنا سفيان قال: حدثني منصور وسليمان، عن أبي وائل، عن أبي ميسرة، عن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك). قلت: ثم أي؟ قال: (أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك). قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزاني حليلة جارك).

قال يحيى: وحدثنا سفيان: حدثني واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله: قلت: يا رسول الله: مثله. قال عمرو: فذكرته لعبد الرحمن، وكان حدَّثنا، عن سفيان، عن الأعمش ومنصور وواصل، عن أبي وائل، عن أبي ميسرة، قال: دعه دعه. [ر:4207]

6 - باب: رجم المحصن. وقال الحسن: من زنى بأخته حده حد الزاني. 6427 - حدثنا آدم: حدثنا شعبة: حدثنا سلمة بن كهيل قال: سمعت الشعبي يحدث، عن علي رضي الله عنه، حين رجم المرأة يوم الجمعة، وقال: قد رجمتها بسنة رسول الله ﷺ.

6428 - حدثني إسحق: حدثنا خالد، عن الشيباني: سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل رجم رسول الله ﷺ؟ قال: نعم، قلت: قبل سورة النور أم بعد؟ قال: لا أدري.

[6449] 6429 - حدثنا محمد بن مقاتل: أخبرنا عبد الله: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رجلاً من أسلم، أتى رسول الله ﷺ فحدثه أنه قد زنى، فشهد على نفسه أربع شهادات، فأمر به رسول الله ﷺ فرجم، وكان قد أحصن.

[ر:4969] 7 - باب: لا يرجم المجنون والمجنونة. وقال علي لعمر: أما علمت: أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ. 6430 - حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وسعيد بن المسيَّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله ﷺ وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه حتى ردد عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي ﷺ فقال: (أبك جنون). قال: لا، قال: (فهل أحصنت). قال: نعم، فقال النبي ﷺ: (اذهبوا به فارجموه).

قال ابن شهاب: فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله قال: فكنت فيمن رجمه، فرجمناه بالمصلَّى، فلما أذلقته الحجارة هرب، فأدركناه بالحرَّة فرجمناه. [ر:4970] 8 - باب: للعاهر الحجر. 6431 - حدثنا أبو الوليد: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: اختصم سعد وابن زمعة، فقال النبي ﷺ: (هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش، واحتجبي منه يا سودة). زاد لنا قتيبة عن الليث: (وللعاهر الحجر).

[ر:1948] 6432 - حدثنا آدم: حدثنا شعبة: حدثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة: قال النبي ﷺ: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر).

[ر:6369] 9 - باب: الرجم في البلاط. 6433 - حدثنا محمد بن عثمان: حدثنا خالد بن مخلد، عن سليمان: حدثني عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتي رسول الله ﷺ بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعاً، فقال لهم: (ما تجدون في كتابكم). قالوا: إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبية، قال عبد الله بن سلام: ادعهم يا رسول الله بالتوراة، فأتي بها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له ابن سلام: ارفع يدك، فإذا آية الرجم تحت يده، فأمر بهما رسول الله ﷺ فرجما.

قال ابن عمر: فرجما عند البلاط، فرأيت اليهودي أجنأ عليها. [ر:1264]

10 - باب: الرجم بالمصلَّى. 6434 - حدثني محمود: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزُهري، عن أبي سلمة، عن جابر: أن رجلاً من أسلم، جاء النبي ﷺ فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبي ﷺ حتى شهد على نفسه أربع مرات، قال له النبي ﷺ: (أبك جنون). قال: لا، قال: (آحصنت). قال: نعم، فأمر به فرجم بالمصلَّى، فلما أذلقته الحجارة فرَّ، فأدرك فرجم حتى مات. فقال له النبي ﷺ خيراً، وصلى عليه.

لم يقل يونس وابن جريج، عن الزُهري: فصلى عليه. سئل أبو عبد الله: هل قوله: فصلى عليه، يصح أم لا؟ قال: رواه معمر، قيل له: رواه غير معمر؟ قال: لا. [ر:4969] 11 - باب: من أصاب ذنباً دون الحد، فأخبر الإمام، فلا عقوبة عليه بعد التوبة، إذا جاء مستفتياً. قال عطاء: لم يعاقبه النبي ﷺ. [ر:6437] وقال ابن جريج: ولم يعاقب الذي جامع في رمضان. ولم يعاقب عمر صاحب الظبي. وفيه: عن أبي عثمان، عن ابن مسعود، عن النبي ﷺ. [ر:503] 6435 - حدثنا قتيبة: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً وقع بامرأته في رمضان، فاستفتى رسول الله ﷺ فقال: (هل تجد رقبة). قال: لا، قال: (هل تستطيع صيام شهرين). قال: لا، قال: (فأطعم ستين مسكيناً).

[ر:1834] 6436 - وقال الليث، عن عمرو بن الحارث، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة: أتى رجل النبي ﷺ في المسجد، قال: احترقت، قال: (مم ذاك). قال: وقعت بامرأتي في رمضان، قال له: (تصدق). قال: ما عندي شيء، فجلس، وأتاه إنسان يسوق حماراً ومعه طعام - قال عبد الرحمن: ما أدري ما هو - إلى النبي ﷺ، فقال: (أين المحترق). فقال: ها أنا ذا، قال: (خذ هذا فتصدَّق به). قال: على أحوج مني، ما لأهلي طعام؟ قال: (فكلوه).

قال أبو عبد الله: الحديث الأول أبين، قوله: (أطعم أهلك). [ر:1833] 12 - باب: إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه. 6437 - حدثني عبد القدوس بن محمد: حدثني عروة بن عاصم الكلابي: حدثنا همَّام بن يحيى: حدثنا إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت عند النبي ﷺ فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً فأقمه علي، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي ﷺ، فلما قضى النبي ﷺ الصلاة، قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً، فأقم فيَّ كتاب الله، قال: (أليس قد صليت معنا). قال: نعم، قال: (فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدَّك).

13 - باب: هل يقول الإمام للمقرِّ: لعلك لمست أو غمزت. 6438 - حدثني عبد الله بن محمد الجعفي: حدثنا وهب بن جرير: حدثنا أبي قال: سمعت يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي ﷺ قال له: (لعلك قبَّلت، أو غمزت، أو نظرت). قال: لا يا رسول الله، قال: (أنكتها). لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه.

14 - باب: سؤال الإمام المقرَّ: هل أحصنت. 6439 - حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث: حدثني عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن ابن المسيَّب وأبي سلمة: أن أبا هريرة قال: أتى رسول الله ﷺ رجل من الناس وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله، إني زنيت، يريد نفسه، فأعرض عنه النبي ﷺ فتنحَّى لشقِّ وجهه الذي أعرض قبله، فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه، فجاء لشقِّ وجه النبي ﷺ الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي ﷺ فقال: (أبك جنون). قال: لا يا رسول الله، فقال: (أحصنت). قال: نعم يا رسول الله، قال: (اذهبوا به فارجموه).

قال ابن شهاب: أخبرني من سمع جابراً قال: فكنت فيمن رجمه، فرجمناه بالمصلَّى، فلما أذلقته الحجارة جمز، حتى أدركناه بالحرَّة فرجمناه. [ر:4970] 15 - باب: الاعتراف بالزنا. 6440 - حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان قال: حفظناه من في الزُهري قال: أخبرني عبيد الله: أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد قالا: كنا عند النبي ﷺ فقام رجل فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه، وكان أفقه منه، فقال: اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي؟ قال: (قل). قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم، ثم سألت رجالاً من أهل العلم، فأخبروني: أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأته الرجم. فقال النبي ﷺ: (والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب الله جل ذكره، المائة شاة والخادم ردّ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها). فغدا عليها فاعترفت فرجمها.

قلت لسفيان: لم يقل: فأخبروني أن على ابني الرجم؟ فقال: أشكُّ فيها من الزُهري، فربما قلتُها، وربما سكتُّ. [ر:2190] 6441 - حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان، عن الزُهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان، حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلُّوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن، إذا قامت البيِّنة، أو كان الحمل أو الاعتراف - قال سفيان: كذا حفظت - ألا وقد رجم رسول الله ﷺ ورجمنا بعده.

[ر:2330]

16 - باب: رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت. 6442 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله: حدثني إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين، منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها، إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمَّت، فغضب عمر، ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيِّرها عنك كلُّ مطيِّر، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكناً، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: والله - إن شاء الله - لأقومنَّ بذلك أو ل مقام أقومه بالمدينة. قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجَّلت الرواح حين زاغت الشمس، حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل جالساً إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب، فلما رأيته مقبلاً، قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولنَّ العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف، فأنكر عليَّ وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله، فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون قام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قُدِّر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدِّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحلُّ لأحد أن يكذب عليَّ: إنَّ الله بعث محمداً ﷺ بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله ﷺ ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلُّوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البيِّنة، أو كان الحبل أو الاعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم. ألا ثم إن رسول الله ﷺ قال: (لا تطروني كما أطريَ عيسى بن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله).

ثم إنه بلغني قائل منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت فلاناً، فلا يغترَّنَّ امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمَّت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرَّها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي تابعه، تغرَّة أن يقتلا، وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه ﷺ أن الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم، لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا ما تمالأ عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينَّهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمَّل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك، فلما جلسنا قليلاً تشهَّد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفَّت دافَّة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، وأن يحضنونا من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت قد زوَّرت مقالة أعجبتني أردت أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم، قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري، إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت، فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح، وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقَدَّم فتضرب عنقي، لا يقرِّبني ذلك من إثم، أحب إلي من أن أتأمَّر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسوِّل لي نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن. فقال قائل من الأنصار: أنا جُذيلها المحكَّك، وعُذيقها المرجَّب، منَّا أمير، ومنكم أمير، يا معشر قريش. فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار. ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة، قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة: أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين، فلا يتابع هو ولا الذي بايعه، تغرَّة أن يقتلا. [ر:2330] 17 - باب: البكران يجلدان وينفيان. {والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين. الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} /النور: 2 - 3/. قال ابن عيينة: رأفة في إقامة الحد. 6443/6444 - حدثنا مالك بن إسماعيل: حدثنا عبد العزيز: أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت النبي ﷺ يأمر فيمن زنى ولم يحصن: جلد مائة وتغريب عام.

قال ابن شهاب: وأخبرني عروة بن الزبير: أن عمر بن الخطاب غرَّب، ثم لم تزل تلك السُّنَّة. (6444) - حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيَّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قضى فيمن زنى ولم يحصن: بنفي عام، وبإقامة الحد عليه.

[ر:2190] 18 - باب: نفي أهل المعاصي والمخنثين.

6445 - حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا هشام: حدثنا يحيى، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن النبي ﷺ المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: (أخرجوهم من بيوتكم). وأخرج فلاناً، وأخرج عمر فلاناً.

[ر:5547] 19 - باب: من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائباً عنه. 6446 - حدثنا عاصم بن علي: حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزُهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد: أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي ﷺ وهو جالس فقال: يا رسول الله، اقض بكتاب الله، فقام خصمه فقال: صدق، اقض له يا رسول الله بكتاب الله، إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت بمائة من الغنم ووليدة، ثم سألت أهل العلم، فزعموا أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام، فقال: (والذي نفسي بيده، لأقضينَّ بينكما بكتاب الله، أما الغنم والوليدة فردّ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأما أنت يا أنيس، فاغد على امرأة هذا فارجمها). فغدا أنيس فرجمها.

[ر:2190] 20 - باب: قول الله تعالى. {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهنَّ بإذن أهلهنَّ وآتوهنَّ أجورهنَّ بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصنَّ فإن أتين بفاحشة فعليهنَّ نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم} /النساء: 25/. غير مسافحات: زواني. ولا متخذات أخذان: أخلاء. 21 - باب: إذا زنت الأمة. 6447 - حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: (إذا زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير).

قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة. [ر:2046] 22 - باب: لا يثرَّب على الأمة إذا زنت ولا تنفى.

6448 - حدثنا عبد الله بن يوسف: حدثنا الليث، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة أنه سمعه يقول: قال النبي ﷺ: (إذا زنت الأمة فتبيَّن زناها، فليجلدها ولا يثرِّب، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرِّب، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر).

تابعه إسماعيل بن أمية، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ. [ر:2045] 23 - باب: أحكام أهل الذمَّة وإحصانهم، إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام. 6449 - حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا عبد الواحد: حدثنا الشيباني: سألت عبد الله بن أبي أوفى عن الرجم فقال: رجم النبي ﷺ، فقلت: أقبل النور أم بعده؟ قال: لا أدري.

تابعه علي بن مسهر، وخالد بن عبد الله، والمحاربي، وعبيدة بن حميد، عن الشيباني. وقال بعضهم: المائدة، والأول أصح. [ر:6428] 6450 - حدثنا إسماعيل بن عبد الله: حدثني مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله ﷺ، فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله ﷺ: (ما تجدون في التوراة في شأن الرجم). فقالوا: نفضحهم ويجلدون، قال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، قالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله ﷺ فرجما، فرأيت الرجل يحني على المرأة، يقيها الحجارة.

[ر:1264] 24 - باب: إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا، عند الحاكم والناس، هل على الحاكم أن يبعث إليها فيسألها عما رميت به. 6451 - حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما أخبراه: أن رجلين اختصما إلى رسول الله ﷺ، فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر، وهو أفقههما: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي أن أتكلم، قال: (تكلم). قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا - قال مالك: والعسيف الأجير - فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم، فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله ﷺ: (أما والذي نفسي بيده، لأقضينَّ بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فردّ عليك). وجلد ابنه مائة وغرَّبه عاماً، وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر: (فإن اعترفت فارجمها). فاعترفت فرجمها.

[ر:2190] 25 - باب: من أدَّب أهله أو غيره دون السلطان. وقال أبو سعيد: عن النبي ﷺ: (إذا صلَّى، فأراد أحد أن يمرَّ بين يديه فليدفعه، فإن أبي فليقاتله). وفعله أبو سعيد. [ر:487] 6452/6453 - حدثنا إسماعيل: حدثني مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: جاء أبو بكر رضي الله عنه، ورسول الله ﷺ واضع رأسه على فخذي، فقال: حبست رسول الله ﷺ والناس، وليسوا على ماء، فعاتبني وجعل يطعن بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله ﷺ، فأنزل الله آية التيمم.

(6453) - حدثنا يحيى بن سليمان: حدثني ابن وهب: أخبرني عمرو: أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه، عن أبيه، عن عائشة قالت: أقبل أبو بكر، فلكزني لكزة شديدة، وقال: حبست الناس في قلادة، فبي الموت، لمكان رسول الله ﷺ، وقد أوجعني. نحوه. لكز ووكز واحد.

[ر:327] 26 - باب: من رأى مع امرأته رجلاً فقتله. 6454 - حدثنا موسى: حدثنا أبو عوانة: حدثنا عبد الملك، عن ورَّاد كاتب المغيرة، عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال: (أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغيَر منه، والله أغيَر مني).

[6980]

27 - باب: ما جاء في التعريض. 6455 - حدثنا إسماعيل: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيَّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ جاءه أعرابي فقال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال: (هل لك من إبل). قال: نعم، قال: (ما ألوانها). قال: حمر، قال: (هل فيها من أورق). قال: نعم، قال: (فأنى كان ذلك). قال: أراه عرق نزعه، قال: (فلعل ابنك هذا نزعه عرق).

[ر:4999] 28 - باب: كم التعزير والأدب. 6456/6458 - حدثنا عبد الله بن يوسف: حدثنا الليث: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبي بردة رضي الله عنه قال: كان النبي ﷺ يقول: (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله). (6457) - حدثنا عمرو بن علي: حدثنا فضيل بن سليمان: حدثنا مسلم بن أبي مريم: حدثني عبد الرحمن بن جابر، عمن سمع النبي ﷺ قال: (لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود الله).

(6458) - حدثنا يحيى بن سليمان: حدثني ابن وهب: أخبرني عمرو: أن بكيراً حدثه قال: بينما أنا جالس عند سليمان بن يسار، إذ جاء عبد الرحمن بن جابر، فحدث سليمان بن يسار، ثم أقبل علينا سليمان بن يسار فقال: حدثني عبد الرحمن بن جابر: أن أباه حدثه: أنه سمع أبا بردة الأنصاري قال: سمعت النبي ﷺ يقول: (لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله).

6459 - حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب: حدثنا أبو سلمة: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله ﷺ عن الوصال، فقال له رجال من المسلمين: فإنك يا رسول الله تواصل، فقال رسول الله ﷺ: (أيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقين). فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال: (لو تأخر لزدتكم). كالمنكِّل بهم حين أبوا.

تابعه شعيب، ويحيى بن سعيد، ويونس، عن الزُهري. وقال عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ. [ر:1864] 6460 - حدثني عياش بن الوليد: حدثنا عبد الأعلى: حدثنا معمر، عن الزُهري، عن سالم، عن عبد الله بن عمر: أنهم كانوا يُضربون على عهد رسول الله ﷺ إذا اشتروا طعاماً جزافاً، أن يبيعوه في مكانهم، حتى يؤووه إلى رحالهم.

[ر:2017] 6461 - حدثنا عبدان: أخبرنا عبد الله: أخبرنا يونس، عن الزُهري: أخبرني عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما انتقم رسول الله ﷺ لنفسه في شيء يؤتى إليه حتى تنتهك من حرمات الله، فينتقم لله.

[ر:3367] 29 - باب: من أظهر الفاحشة واللطخ والتهمة بغير بيِّنة.

6462 - حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان: قال الزُهري، عن سهل بن سعد قال: شهدت المتلاعنين وأنا ابن خمس عشرة، فرَّق بينهما، فقال زوجها: كذبت عليها إن أمسكتها.

قال: فحفظت ذاك من الزُهري: إن جاءت به كذا وكذا فهو، وإن جاءت به كذا وكذا، كأنه وحرة، فهو. وسمعت الزُهري يقول: جاءت به للذي يكره. [ر:413] 6463/6464 - حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان: حدثنا أبو الزناد، عن القاسم بن محمد قال: ذكر ابن عباس المتلاعنين، فقال عبد الله بن شدَّاد: هي التي قال رسول الله ﷺ: (لو كنت راجماً امرأة عن غير بيِّنة). قال: لا، تلك امرأة أعلنت.

(6464) - حدثنا عبد الله بن يوسف: حدثنا الليث: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم بن محمد، عن ابن عباس رضي الله عنهما: ذكر التلاعن عند النبي ﷺ، فقال عاصم بن عدي في ذلك قولاً ثم انصرف، وأتاه رجل من قومه يشكو أنه وجد مع أهله رجلاً، فقال عاصم: ما ابتليت بهذا إلا لقولي، فذهب به إلى النبي ﷺ فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذلك الرجل مصفراً، قليل اللحم، سبط الشعر، وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله آدم خدلاً، كثير اللحم، فقال النبي ﷺ: (اللهم بيِّن). فوضعت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها، فلاعن النبي ﷺ بينهما، فقال رجل لابن عباس في المجلس: هي التي قال النبي ﷺ: (لو رجمت أحداً بغير بيِّنة رجمت هذه). فقال: لا، تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء.

[ر:5004] 30 - باب: رمي المحصنات. {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون. إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} /النور: 4 - 5/. {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} /النور: 23/. وقول الله: {والذين يرمون أزواجهم} /النور: 6/. {ثم لم يأتوا} الآية /النور: 4/.

6465 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله: حدثنا سليمان، عن ثور بن زيد عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: (اجتنبوا السبع الموبقات). قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).

[ر:2615] 31 - باب: قذف العبيد. 6466 - حدثنا مسدد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن فضيل بن غزوان، عن ابن أبي نعم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم ﷺ يقول: (من قذف مملوكه، وهو بريء مما قال، جلد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال).

32 - باب: هل يأمر الإمام رجلاً فيضرب الحد غائباً عنه. وقد فعله عمر. 6467 - حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا ابن عيينة، عن الزُهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه، وكان أفقه منه، فقال: صدق، اقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي يا رسول الله، فقال النبي ﷺ: (قل). فقال: إن ابني عسيفاً كان في أهل هذا، فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم، وإني سألت رجالاً من أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال: (والذي نفسي بيده، لأقضينَّ بينكما بكتاب الله، المائة والخادم ردّ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، ويا أنيس اغد على امرأة هذا فسلها، فإن اعترفت فارجمها). فاعترفت فرجمها.

====

كتاب المحاربين

2256 - مسألة : قال الله تعالى : {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية

قال أبو محمد : فاختلف الناس , من هو المحارب الذي يلزمه هذا الحكم فقالت طائفة : المحارب المذكور في هذه الآية : هم المشركون. روي ، عن ابن عباس وغيره كما ، حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ، حدثنا أحمد بن دحيم ، حدثنا إبراهيم بن حماد ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا محمد بن أبي بكر هو المقدمي ، حدثنا يحيى , وخالد هما القطان وأبو الحارث , كلاهما عن أشعث عن الحسن البصري في قول الله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية , قال : نزلت في أهل الشرك. وبه إلى إسماعيل ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، حدثنا هشيم عن جويبر عن الضحاك قال : كان قوم بينهم وبين النبي ﷺ ميثاق فنقضوا العهد , وقطعوا السبيل , وأفسدوا في الأرض , فخير الله تعالى نبيه عليه السلام فيهم إن شاء أن يقتل , وإن شاء أن يصلب , وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. وبه إلى إسماعيل ، حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا أشعث ، حدثنا سفيان أنه بلغه عن الضحاك بن مزاحم في هذه الآية قال : نزلت في أهل الكتاب. وبه إلى إسماعيل ، حدثنا محمد بن عبيد ، وإبراهيم الهروي , قال محمد : حدثنا محمد بن ثور , وقال إبراهيم : حدثنا سفيان , ثم اتفق محمد بن ثور , وسفيان , كلاهما عن معمر عن قتادة , وعطاء الخراساني , قالا جميعا في قول الله تعالى {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} هذه الآية لأهل الشرك , فمن أصاب من المشركين شيئا من المسلمين وهو لهم حرب فأخذ مالا , وأصاب دما , ثم تاب من قبل أن يقدر عليه أهدر عنه ما مضى ، حدثنا حمام القاضي ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا أبو علي الحسن بن سعد ، حدثنا أبو يعقوب الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : قال لي عطاء بن أبي رباح , وعبد الكريم : المحاربة شرك قال ابن جريج : وأقول أنا : لا أعلم أحدا يحارب النبي ﷺ إلا أشرك.

وقالت طائفة : هو المرتد كما ، حدثنا أبو سعيد الجعفري ، حدثنا محمد بن علي الإدفوي ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحوي عن عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر ، حدثنا روح بن عبادة ، عن ابن جريج ، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال : إذا خرج المسلم فشهر سلاحه , ثم تلصص , ثم جاء تائبا أقيم عليه الحد ولو ترك لبطلت العقوبات , إلا أن يلحق ببلاد الشرك ثم يأتي تائبا : فتقبل منه.

وقالت طائفة : اللص ليس مسلما كما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب ، عن ابن لهيعة عن عبد الله بن أبي جعفر قال : سألت نافعا مولى ابن عمر عن لص مسلم , أو كافر أتى مسلما وأراد أن يأخذ ماله , ويهريق دمه قال : لو كنت أنا امتنعت هذا الذي يستغيلني ليهريق دمي , ويأخذ مالي , ليس بمسلم.

وقالت طائفة : كل لص فهو محارب : كما ، حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا الحسن بن سعد ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج عن عبد الكريم أو غيره عن الحسن البصري , وسعيد بن جبير , قالا جميعا : من خرب فهو محارب

قال أبو محمد : المحارب اللص : حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي قال : اللص محارب لله ولرسوله فاقتله , فما أصابك فيه من شيء من دمه فعلي.

وقالت طائفة : لا يكون المحارب إلا من أخاف السبيل : كما ، حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ، حدثنا أحمد بن دحيم ، حدثنا إبراهيم بن حماد ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمار الدهني قال : جاء مسعر بن فدكي وهو متنكر حتى دخل على علي بن أبي طالب , فما ترك آية من كتاب الله فيها تشديد إلا سأله عنها , وهو يقول , له توبة , قال : وإن كان مسعر بن فدكي قال : وإن كان مسعر بن فدكي , قال : فقلت له : فأنا مسعر بن فدكي فأمني قال : أنت آمن , قال : وكان يقطع الطريق , ويستحل الفروج. وبه إلى إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا عمر بن علي عن مجاهد عن الشعبي عن سعيد بن قيس الهمداني أن حارثة بن بدر التميمي كان عدوا لعلي وكان يهجوه فأتى الحسن , والحسين , وعبد الله بن جعفر ، رضي الله عنهم ، ليأخذوا له أمانا , فأبى علي أن يؤمنه , قال سعيد : فانطلقت إلى علي فقلت : ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا قال : أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف الآية قلت : إلا ماذا قال : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم قلت : فإن حارثة بن بدر قد تاب من قبل أن نقدر عليه , قال : هو آمن , قال : فانطلقت بحارثة إلى علي فآمنه.

حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا الحسن بن سعد ، حدثنا أبو يعقوب الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة , وعطاء الخراساني , قالا جميعا في هذه الآية إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال : هذه الآية في اللص الذي يقطع الطريق فهو محارب

قال أبو محمد : ثم اختلف هؤلاء : فقالت طائفة : حيثما قطع الطريق في مصر أو غيره فهو محارب : كما كتب إلي أبو المرجى بن ذروان المصري ، حدثنا أبو الحسن الرحبي ، حدثنا مسلم الكاتب ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن المغلس قال : ذكر وكيع عن الحكم بن عطية قال : سألت الحسن عن رجل ضرب رجلا بالسيف بالبصرة قال : كانوا يقولون : من شهر السلاح فهو محارب.

حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر ، عن ابن طاووس عن أبيه عن الزبير قال طاووس : سمعته يقول : من رفع السلاح ثم وضعه : محارب , فدمه هدر قال : وكان طاووس يرى هذا أيضا. حدثنا عبد الرحمن بن سلمة الكناني ، حدثنا أحمد بن خليل ، حدثنا خالد بن سعد ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف فقيه أهل مصر ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا سليمان بن بلال ني علقمة بن أبي علقمة عن أمه : أن غلاما كان لباني , فكان باني يضربه في أشياء يعاقبه فيها , فكان الغلام يعادي سيده , فباعه باني , فلقيه الغلام يوما ومع الغلام سيف يحمله وذلك في إمرة سعيد بن العاص فشهر الغلام السيف على باني وتفلت به عليه , فأمسكه عنه الناس , فدخل باني على عائشة فأخبرها بما فعل به العبد , فقالت عائشة : سمعت رسول الله ﷺ يقول من أشار بحديدة إلى أحد من المسلمين يريد قتله فقد وجب دمه فذكر الحديث , وفيه : أن الغلام قتل. حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ، حدثنا أحمد بن دحيم ، حدثنا حماد بن إبراهيم ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا علي بن عبد العزيز المديني ، حدثنا محمد بن علي بن مقدم عن سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن أبي الشعثاء جابر بن زيد ، عن ابن عباس قال إذا تسور عليهم في بيوتهم بالسلاح قطعت يده ورجله. وبه إلى إسماعيل ، حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، حدثنا خالد بن الحارث عن أشعث عن الحسن قال : إذا طرقك اللص بالليل فهو محارب. وبه إسماعيل ، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا محمد بن سوار عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : إذا دخل عليك ومعه حديدة فهو محارب. قال إسماعيل : وحدثنا نصر بن علي ، حدثنا حرب بن ميمون عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : إذا طرقك اللص بالليل فهو محارب. وبهذا يأخذ الشافعي , وأبو سليمان , وأصحابهما. واختلف فيه قول مالك , فمرة قال : لا تكون المحاربة إلا في الصحراء ومرة قال : تكون المحاربة في الصحراء , وفي الأمصار. وقال سفيان : لا تكون المحاربة إلا في الصحراء. قال أبو حنيفة , وأصحابه : لا تكون المحاربة في مدينة , ولا في مصر , ولا بقرب مدينة , ولا بقرب مصر ، ولا بين مدينتين , ولا بين الكوفة والحيرة ثم روي عن أبي يوسف ، أنه قال : إذ كابروا أهل مدينة ليلا , كانوا في حكم المحاربة.

وقال أبو حنيفة : من شهر على آخر سلاحا ليلا أو نهارا فقتله المشهور عليه عمدا فلا شيء عليه , فإن شهر عليه عصا نهارا في مصر فقتله عمدا قتل به وإن كان في الليل في مصر , أو في مدينة , أو في طريق في غير مدينة , فلا شيء على القاتل

قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن نطلب الحق من أقوالهم , لنعلم الصواب فنتبعه بمن الله تعالى

فنظرنا فيما تحتج به كل طائفة لقولها :

فنظرنا فيما احتج به من قال : إن المحارب لا يكون إلا مشركا أو مرتدا , فوجدناهم يذكرون : ما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب النسائي , أخبرنا العباس بن محمد أنا أبو عامر العقدي عن إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ قال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال : زان محصن , يرجم , أو رجل قتل متعمدا , فيقتل أو رجل يخرج من الإسلام فيحارب الله ورسوله , فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض. وبما ذكره ابن جريج آنفا من قوله : ما نعلم أحدا حارب رسول الله ﷺ إلا أشرك

قال أبو محمد رحمه الله : فنظرنا فيما احتجوا به من ذلك فوجدنا الخبر المذكور لا يصح ; لأنه انفرد به إبراهيم بن طهمان وليس بالقوي.

وأما قول ابن جريج " ما نعلم أحدا حارب رسول الله ﷺ إلا أشرك " فإن محاربة الله تعالى , ومحاربة رسوله عليه السلام تكون على وجهين : أحدهما من مستحل لذلك , فهو كافر بإجماع الأمة كلها , لا خلاف في ذلك إلا ممن لا يعتد به في الإسلام وتكون من فاسق عاص معترف بجرمه , فلا يكون بذلك كافرا , لكن كسائر الذنوب , من الزنا , والقتل , والغصب , وشرب الخمر , وأكل الخنزير , والميتة , والدم , وترك الصلاة , وترك الزكاة , وترك صوم شهر رمضان , وترك الحج : فهذا لا يكون كافرا , لما قد تقصيناه في " كتاب الفصل " وغيره. ويجمع الحجة في ذلك : أنه لو كان فاعل شيء من هذه العظائم كافرا بفعله ذلك , لكان مرتدا بلا شك , ولو كان بذلك مرتدا لوجب قتله , لأمر رسول الله ﷺ بقتل من ارتد , وبدل دينه وهذا لا يقوله مسلم

قال أبو محمد : فإن قال قائل : إننا لا نسلم أن من عصى بغير الكفر لا يكون محاربا لله تعالى ولرسوله عليه السلام

قلنا له : وبالله تعالى التوفيق : {قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} الآية. كتب إلي أبو المرجى بن ذروان قال : حدثنا أبو الحسن الرحبي ، حدثنا أبو مسلم الكاتب ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن المغلس ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا حماد بن خالد الخياط ، حدثنا عبد الواحد مولى عروة عن عروة عن عائشة , قالت : قال رسول الله ﷺ : قال الله تعالى (من آذى لي وليا فقد استحل محاربتي).

وقال الله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} إلى قوله {فأصلحوا بين أخويكم} .

وقال رسول الله ﷺ : تقتل عمارا الفئة الباغية فصح أنه ليس كل عاص محاربا , ولا كل محارب كافرا , ثم نظرنا في ذلك أيضا , فوجدنا الله تعالى قد حكم في المحارب ما ذكرنا من القتل , أو الصلب , أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف , أو النفي من الأرض وإسقاط ذلك كله عنه بالتوبة قبل القدرة عليه , فلو كان المحارب المأمور فيه بهذه الأوامر كافرا : لم يخل من ثلاثة أوجه , لا رابع لها : إما أن يكون حربيا مذ كان.

وأما أن يكون ذميا فنقض الذمة وحارب فصار حربيا.

وأما أن يكون مسلما فارتد إلى الكفر. لا بد من أحد هذه الوجوه ضرورة , ولا يمكن ، ولا يوجد غيرها , فلو كان حربيا مذ كان , فلا يختلف من الأمة اثنان في أنه ليس هذا حكم الحربيين وإنما حكم الحربيين القتل في اللقاء كيف أمكن حتى يسلموا , أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون , ومن كان منهم كتابيا في قولنا وقول طوائف من الناس. أو من كان منهم من أي دين كان ما لم يكن عربيا في قول غيرنا. أو يؤسر فيكون حكمه ضرب العنق فقط بلا خلاف , كما قتل رسول الله ﷺ عقبة بن أبي معيط , والنضر بن الحارث , وبني قريظة , وغيرهم , أو يسترق , أو يطلق إلى أرضه , كما أطلق رسول الله ﷺ ثمامة بن أثال الحنفي , وأبا العاص بن الربيع وغيرهما. أو يفادى به كما قال الله تعالى {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} . أو نطلقهم أحرارا ذمة , كما فعل رسول الله ﷺ بأهل خيبر. فهذه أحكام الحربيين بنص القرآن , والسنن الثابتة , والإجماع المتيقن ,

ولا خلاف في أنه ليس الصلب , ولا قطع الأيدي والأرجل , ولا النفي , من أحكامهم. فبطل أن يكون المحارب المذكور في الآية حربيا كافرا وإن كان ذميا فنقض العهد فللناس فيه أقوال ثلاثة لا رابع لها : أحدها أنه ينتقل إلى حكم الحربيين في كل ما ذكرنا.

والثاني أنه محارب حتى يقدر عليه فيرد إلى ذمته كما كان ، ولا بد. والثالث أنه لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف. وقد فرق بعض الناس بين الذمي ينقض العهد فيصير حربيا وبين الذمي يحارب فيكون له عندهم حكم المحارب المذكور في الآية , لا حكم الحربي فصح بلا خلاف أن الذمي الناقض لذمته المنتقل إلى حكم أهل الحرب ليس له حكم المحارب المذكور في الآية بلا خلاف. وبين هذا قول الله تعالى {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر} إلى قوله : {لعلهم ينتهون} فأمر الله تعالى بقتالهم إذا نكثوا عهدهم حتى ينتهوا وهذا عموم يوجب الأنتهاء عن كل ما هم عليه من الضلال , وهذا يقتضي ، ولا بد أن لا يقبل منهم إلا الإسلام وحده , ولا يجوز أن يخص بقوله تعالى لعلهم ينتهون انتهاء دون انتهاء , فيكون فاعل ذلك قائلا على الله تعالى ما لا علم له به , وهذا حرام , قال الله تعالى {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} . وإن كان المحارب المذكور في الآية مرتدا عن إسلامه , فقد بين رسول الله ﷺ حكم المرتد بقوله من بدل دينه فاقتلوه. وبينه الله تعالى بقوله {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم} . فصح يقينا أن حكم المرتد الذي أوجب الله تعالى في القرآن , وعلى لسان رسوله عليه السلام هو غير حكمه تعالى في المحارب فصح يقينا أن المحارب ليس مرتدا.

وأيضا فلا خلاف بين أحد من الأمة في أن حكم المرتد المقدور عليه ليس هو الصلب , ولا قطع اليد والرجل , ولا النفي من الأرض فصح بكل ما ذكرنا أن المحارب ليس كافرا أصلا , إذ ليس له شيء من أحكام الكفر , ولا لأحد من الكفار : حكم المحارب. والرواية ، عن ابن عباس فيها الحسن بن واقد وليس بالقوي وهو أيضا من قول ابن عباس لا مسندا , فإذ قد صح ما ذكرنا يقينا فقد ثبت بلا شك أن المحارب إنما هو مسلم عاص , فإذ هو كذلك فالواجب : أن ننظر ما المعصية التي بها وجب أن يكون محاربا وأن يكون له حكم المحارب

فنظرنا في جميع المعاصي من الزنا , والقذف , والسرقة , والغصب , والسحر , والظلم , وشرب الخمر , والمحرمات , أو أكلها , والفرار من الزحف , والزنا , وغير ذلك فوجدنا جميع هذه المعاصي ليس منها شيء جاء نص أو إجماع في أنه محارب , فبطل أن يكون فاعل شيء منها محاربا.

وأيضا فإن جميع المعاصي التي ذكرنا والتي لم نذكر لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما أن يكون فيها نص بحد محدود أو لا يكون فيها نص بحد محدود , فالتي فيها النص بحد محدود فهي الردة , والزنا , والقذف , والخمر , والسرقة , وجحد العارية وليس لشيء منها الحكم المذكور في الآية في المحارب فبطل أن يكون شيء من هذه المعاصي محاربة وهذا أيضا إجماع متيقن

وأما ما ليس فيه من الله تعالى حد محدود لا في القرآن ، ولا على لسان رسول الله ﷺ فلا يحل لأحد أن يلحقها بحد المحاربة , فيكون شارعا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى , وهذا لا يحل , بل قد قال رسول الله ﷺ : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام. فوجب يقينا أن لا يستباح دم أحد , ولا بشرته , ولا ماله , ولا عرضه إلا بنص وارد فيه بعينه , من قرآن , أو سنة عن رسول الله ﷺ أو إجماع متيقن من الصحابة ، رضي الله عنهم ، راجع إلى توقيف رسول الله ﷺ . فبطل أن يكون شيء من المعاصي المذكورة هي المحاربة , فإذ لا شك في هذا فلم يبق إلا قاطع الطريق , والباغي , فهما جميعا مقاتلان , المقاتلة هي المحاربة في اللغة :

فنظرنا في ذلك , فوجدنا " الباغي " قد ورد فيه النص , بأن يقاتل حتى يفيء فقط , فيصلح بينه وبين المبغي عليه , فخرج الباغي عن أن يكون له حكم المحاربين , فلم يبق إلا " قاطع الطريق , ومخيف السبيل " هذا مفسد في الأرض بيقين , وقد قال جمهور الناس : إنه هو المحارب المذكور في الآية , ولم يبق غيره , وقد بطل كما قدمنا أن يكون كافرا , ولم يقل أحد من أهل الإسلام في أحد من أهل المعاصي : إنه المحارب المذكور في الآية , إلا قاطع الطريق المخيف فيها , أو في اللص

فصح أن مخيف السبيل المفسد فيها : هو المحارب المذكور في الآية بلا شك. وبقي أمر اللص

فنظرنا فيه بعون الله تعالى فوجدناه إن دخل مستخفيا ليسرق , أو ليزني , أو ليقتل ففعل شيئا من ذلك مختفيا فإنما هو سارق , عليه ما على السارق , لا ما على المحارب بلا خلاف. أو إنما هو زان , فعليه ما على الزاني , لا ما على المحارب بلا خلاف. أو إنما هو قاتل , فعليه ما على القاتل بنص القرآن والسنة , فيمن قتل عمدا وإن كان قد خالف في هذا قوم خلافا لا تقوم به حجة , فإن اشتهر أمره ففر وأخذ , فليس محاربا ; لأنه لم يحارب أحدا , وإنما هو عاص فقط , ولا يكون عليه له حكم المحاربة , لكن حكم من فعل منكرا , فليس عليه إلا التعزير وإن دافع وكابر : فهو محارب بلا شك ; لأنه قد حارب وأخاف السبيل , وأفسد في الأرض , فله حكم المحارب كما قال الشعبي , وغيره.

قال أبو محمد رحمه الله : وأما قول من قال : لا تكون المحاربة إلا في الصحراء , أو من قال : لا تكون المحاربة في المدن إلا ليلا : فقولان فاسدان , ودعوتان ساقطتان , بلا

برهان , لا من قرآن , ولا من سنة صحيحة , ولا سقيمة , ولا من إجماع , ولا من قول صاحب , ولا من قياس , ولا من رأي سديد , وما يبعد أن يكون فيهم من هان عنده الكذب على الأمة كلها , فيقول : من حارب في الصحراء فقد صح عليه اسم محارب ومن كتاب المحاربين

قال أبو محمد رحمه الله : فإن اعترض معترض في أن المحارب لا يكون إلا من شهر السلاح : بما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا إسحاق بن راهويه أرنا الفضل بن موسى ، حدثنا معمر عن عبد الله بن طاووس ، عن ابن الزبير عن رسول الله ﷺ قال : من شهر سيفه ثم وضعه فدمه هدر قال إسحاق : أرناه عبد الرزاق بهذا الإسناد مثله , ولم يرفعه , يريد , أنه جعله من كلام ابن الزبير قال ابن شعيب : وأنا أبو داود ، حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن ابن طاووس عن أبيه ، عن ابن الزبير قال : من رفع السلاح ثم وضعه فدمه هدر.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية أخبرني أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرني ابن وهب أنا مالك , وأسامة بن زيد , ويونس بن يزيد : أن نافعا أخبرهم عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله ﷺ قال : من حمل علينا السلاح فليس منا

قال أبو محمد رحمه الله : فهذا كله حق , وآثار صحاح لا يضرها إيقاف من أوقفها , إلا أنه لا حجة فيها لمن لم ير المحارب إلا من حارب بسلاح ; لأن رسول الله ﷺ إنما ذكر في هذين الأثرين : من وضع سيفه وشهر سلاحه فقط , وسكت عما عدا ذلك فيها , ولم يقل عليه السلام أن لا محارب إلا من هذه صفته , فوجب من هذين الأثرين حكم من حمل السلاح وبقي حكم من لم يحمل السلاح أن يطلب في غيرهما ففعلنا , فوجدنا : ما ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا زهير بن حرب ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا مهدي ثنا ابن ميمون عن غيلان بن جرير عن زياد بن رباح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ في حديثه ومن خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي بذي عهدها فليس مني. فقد عم رسول الله ﷺ كما تسمع " الضرب " ولم يقل بسلاح , ولا غيره.

فصح أن كل حرابة بسلاح , أو بلا سلاح فسواء قال : فوجب بما ذكرنا أن المحارب : هو المكابر المخيف لأهل الطريق , المفسد في سبيل الأرض سواء بسلاح , أو بلا سلاح أصلا سواء ليلا , أو نهارا في مصر , أو في فلاة أو في قصر الخليفة , أو الجامع سواء قدموا على أنفسهم إماما , أو لم يقدموا سوى الخليفة نفسه فعل ذلك بجنده أو غيره منقطعين في الصحراء , أو أهل قرية سكانا في دورهم , أو أهل حصن كذلك , أو أهل مدينة عظيمة , أو غير عظيمة كذلك واحدا كان أو أكثر كل من حارب المار , وأخاف السبيل بقتل نفس , أو أخذ مال , أو لجراحة , أو لأنتهاك فرج : فهو محارب , عليه وعليهم كثروا أو قلوا حكم المحاربين المنصوص في الآية ; لأن الله تعالى لم يخص شيئا من هذه الوجوه , إذ عهد إلينا بحكم المحاربين وما كان ربك نسيا. ونحن نشهد بشهادة الله تعالى أن الله سبحانه لو أراد أن يخص بعض هذه الوجوه لما أغفل شيئا من ذلك , ولا نسيه ، ولا أعنتنا بتعمد ترك ذكره حتى يبينه لنا غيره بالتكهن والظن الكاذب.///

كتاب المحاربين

2257 - مسألة : قال أبو محمد رحمه الله : قال قوم : يجب أن يعطى المحاربون الشيء الذي لا يجحف بالمقطوع عليهم , ورأوا ذلك في جميع الأموال لغير المحاربين

قال أبو محمد رحمه الله : والذي نقول وبالله تعالى نتأيد : إنه لا يجوز أن يعطوا على هذا الوجه شيئا قل أم كثر سواء محاربا كان أو شيطانا. لقول الله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}

وقوله تعالى {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} .

2258 - مسألة : قال أبو محمد رحمه الله : فلا يخلو أخذ المال بالوجه المذكور من الظلم , والغلبة بغير حق من أحد وجهين , لا ثالث لهما : إما أن يكون برا وتقوى أو يكون إثما وعدوانا.

ولا خلاف بين أحد من الأمة في أنه ليس برا ، ولا تقوى , ولكنه إثم وعدوان بلا خلاف , والتعاون على الإثم والعدوان : حرام لا يحل :

حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ، حدثنا خالد يعني ابن مخلد ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال : فلا تعطه مالك قال : أرأيت إن قاتلني قال : قاتله قال : أرأيت إن قتلني قال : فأنت شهيد , قال : أرأيت إن قتلته قال : هو في النار. وبه إلى مسلم ، حدثنا الحسن بن علي الحلواني , ، ومحمد بن نافع , قالا جميعا : حدثنا عبد الرزاق أرنا ابن جريج أنا سليمان الأحول أن ثابتا مولى عمر بن عبد الرحمن أخبره أنه لما كان بين عبد الله بن عمرو بن العاص وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان تيسروا للقتال , ركب خالد بن العاص إلى عبد الله بن عمرو بن العاص , فوعظه خالد , فقال عبد الله بن عمرو : أما علمت أن رسول الله ﷺ قال من قتل دون ماله فهو شهيد.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد عن النبي ﷺ قال : من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد , ومن قاتل دون دمه فهو شهيد , ومن قاتل دون أهله فهو شهيد. وبه إلى أحمد بن شعيب أنا محمد بن رافع , ، ومحمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا سلمان ، هو ابن داود الهاشمي ، حدثنا إبراهيم ، هو ابن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد قال : قال رسول الله ﷺ : من قتل دون ماله فهو شهيد , ومن قتل دون أهله فهو شهيد , ومن قتل دون دينه فهو شهيد , ومن قتل دون دمه فهو شهيد. وبه إلى أحمد بن شعيب أنا القاسم بن زكريا بن دينار ، حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي ، حدثنا عمرو ، هو ابن القاسم عن مطرف ، هو ابن أبي طريف عن سوادة ، هو ابن أبي الجعد عن أبي جعفر قال : كنت جالسا عند سويد بن مقرن قال : قال رسول الله ﷺ : من قتل دون مظلمته فهو شهيد. حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري ، حدثنا أبي ، حدثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس أن أنسا حدثه أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين : بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين , والتي أمر الله عز وجل بها رسوله ﷺ فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها , ومن سئل فوقها فلا يعط وذكر الحديث

قال أبو محمد رحمه الله : فهذا رسول الله ﷺ يأمر من سئل ماله بغير حق أن لا يعطيه , وأمر أن يقاتل دونه فيقتل مصيبا سديدا , أو يقتل بريئا شهيدا , ولم يخص عليه السلام مالا من مال. وهذا أبو بكر الصديق , وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يريان السلطان في ذلك وغير السلطان سواء وبالله تعالى التوفيق.

2259 - مسألة : ذكر ما قيل في آية المحاربة

قال علي : قال قوم : آية المحاربة ناسخة لفعل رسول الله ﷺ بالعرنيين , ونهي له عن فعله بهم واحتجوا في ذلك بما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار عن الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أنس بن مالك أن نفرا من عكل قدموا على رسول الله ﷺ فأسلموا فاجتووا المدينة فأمرهم النبي ﷺ أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها , ففعلوا , فقتلوا راعيها واستاقوها , فبعث النبي ﷺ في طلبهم قافة , فأتي بهم , فقطع أيديهم , وأرجلهم , وسمل أعينهم , ولم يحسمهم , وتركهم حتى ماتوا فأنزل الله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عمرو بن السرح ، أخبرنا ابن وهب أخبرني الليث بن سعد ، عن ابن عجلان عن أبي الزناد قال : إن رسول الله ﷺ لما قطع الذين سرقوا لقاحه , وسمل أعينهم بالنار , عاتبه الله تعالى في ذلك فأنزل الله تعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الصمد ، هو ابن عبد الوارث بن سعيد التنوري ، حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن أنس قال : كان رسول الله ﷺ يحث في خطبته على الصدقة , وينهى عن المثلة

قال أبو محمد رحمه الله : كل هذا لا حجة لهم فيه , ولا يجوز أن يقال في شيء من فعل رسول الله ﷺ وقوله إنه منسوخ إلا بيقين مقطوع على صحته ,

وأما بالظن , الذي هو أكذب الحديث فلا. فنقول وبالله تعالى التوفيق : أما الحديث الذي صدرنا به من طريق أبي قلابة عن أنس , فليس فيه دليل على نسخ أصلا لا بنص ، ولا بمعنى وإنما فيه أن رسول الله ﷺ قطع أيدي العرنيين وأرجلهم , ولم يحسمهم , وسمل أعينهم , وتركهم حتى ماتوا , فأنزل الله تعالى آية المحاربة وهذا ظاهر : أن نزول آية المحاربة ابتداء حكم , كسائر القرآن في نزوله شيئا بعد شيء , أو تصويبا لفعله عليه السلام بهم ; لأن الآية موافقة لفعله عليه السلام في قطع أيديهم وأرجلهم , وزائدة على ذلك تخييرا في القتل , أو الصلب , أو النفي وكان ما زاده رسول الله ﷺ على القطع من السمل , وتركهم لم يحسمهم حتى ماتوا قصاصا بما فعلوا بالرعاء : كما ، حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا الفضل بن سهل الأعرج مرزوقي ثقة ، حدثنا يحيى بن غيلان ثقة مأمون ، حدثنا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك , قال : إنما سمل رسول الله ﷺ أعين أولئك العرنيين ; لأنهم سملوا أعين الرعاء. وقد ذكر في الحديث الذي أوردنا أنهم قتلوا الرعاء.

فصح ما قلناه من أن أولئك العرنيين اجتمعت عليهم حقوق : منها المحاربة , ومنها سملهم أعين الرعاء , وقتلهم إياهم , ومنها الردة فوجب عليهم إقامة كل ذلك , إذ ليس شيء من هذه الحدود أوجب بالإقامة عليهم من سائرها , ومن أسقط بعضها لبعض فقد أخطأ , وحكم بالباطل , وقال بلا

برهان , وخالف فعل رسول الله ﷺ وترك أمر الله تعالى بالقصاص في العدوان بما أمره به في المحاربة , فقطعهم رسول الله ﷺ للمحاربة , وسملهم للقصاص , وتركهم كذلك حتى ماتوا , يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا ; لأنهم كذلك قتلوا هم الرعاء فارتفع الإشكال والحمد لله كثيرا.

وأما حديث أبي الزناد فمرسل , ولا حجة في مرسل , ولفظه منكر جدا ; لأن فيه : أن رسول الله ﷺ عاتبه ربه في آية المحاربة , وما يسمع فيها عتاب أصلا ; لأن لفظ " العتاب " إنما هو مثل قوله تعالى {عفا الله عنك لم أذنت لهم} . ومثل قوله تعالى {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} الآيات. ومثل قوله تعالى {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}

وأما حديث المحاربة , فليس فيها أثر للمعاتبة.

وأما حديث قتادة عن أنس في الحث على الصدقة والنهي عن المثلة فحق , وليس هذا مما نحن فيه في ورد ، ولا صدر وإنما يحتج بمثل هذا من يستسهل الكذب على رسول الله ﷺ أنه مثل بالعرنيين , وحاش لله من هذا , بل هذا نصر لمذهبهم في أن من قتل بشيء ما لم يجز أن يقتل بمثله ; لأنه مثلة وهم يرون على من جدع أنف إنسان وفقأ عيني آخر , وقطع شفتي ثالث , وقلع أضراس رابع , وقطع أذني خامس : أن يفعل ذلك به كله , ويترك , فهل في المثلة أعظم من هذا لو عقلوا عن أصولهم الفاسدة وحاش لله أن يكون شيء أمر الله تعالى به , أو فعله رسول الله ﷺ مثلة , إنما المثلة ما كان ابتداء فيما لا نص فيه ,

وأما ما كان قصاصا أو حدا كالرجم للمحصن , وكالقطع أو الصلب للمحارب , فليس مثلة وبالله تعالى التوفيق. وقد

روينا من طريق مسلم ما ناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا يحيى بن يحيى التميمي أرنا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب , وحميد , كلاهما عن أنس بن مالك أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله ﷺ المدينة فاجتووها فقال لهم رسول الله ﷺ إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا , فصحوا , ثم مالوا على الرعاء فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام , وساقوا ذود رسول الله ﷺ فبلغ ذلك النبي ﷺ فبعث في آثارهم فأتي بهم , فقطع أيديهم وأرجلهم , وسمل أعينهم , وتركهم في الحرة حتى ماتوا.

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل ابن علية ، حدثنا حميد عن أنس قال : قدم على النبي ﷺ ناس من عرينة فقال لهم رسول الله ﷺ لو خرجتم إلى ذودنا فكنتم فيها , فشربتم من ألبانها , وأبوالها ففعلوا , فلما صحوا قاموا إلى راعي رسول الله ﷺ فقتلوه ورجعوا كفارا , واستاقوا ذود رسول الله ﷺ فأرسل في طلبهم , فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم , وسمل أعينهم

قال أبو محمد رحمه الله : فهذه كلها آثار في غاية الصحة وبالله تعالى التوفيق.

المحارب يقتل

2260 - مسألة : هل لولي المقتول في ذلك حكم أم لا

قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا الحسن بن سعد ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : إن في كتاب لعمر بن الخطاب " والسلطان ولي من حارب الدين , وإن قتل أباه , أو أخاه , فليس إلى طالب الدم من أمر من حارب الدين وسعى في الأرض فسادا شيء " وقال ابن جريج : وقال لي سليمان بن موسى مثل هذا سواء سواء حرفا حرفا. وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : عقوبة المحارب إلى السلطان , لا تجوز عقوبة ولي الدم ذلك إلى الإمام , قال :

وهو قول أبي حنيفة ومالك , والشافعي , وأحمد , وأبي سليمان , وأصحابهم

قال أبو محمد رحمه الله : وبهذا نقول ; لأن رسول الله ﷺ قال في الخبرين اللذين رويناهما من طريق ابن عباس ذكرناهما في " كتاب الحج " " وكتاب الصيام " " وباب وجوب قضاء الحج الواجب ". " وقضاء الصيام الواجب عن الميت ". اقضوا الله فهو أحق بالوفاء , دين الله أحق أن يقضى. وبقوله عليه السلام في حديث بريدة كتاب الله أحق وشرط الله أوثق

قال أبو محمد رحمه الله : فلما اجتمع حقان :

أحدهما لله .

والثاني لولي المقتول كان حق الله تعالى أحق بالقضاء ودينه أولى بالأداء , وشرطه المقدم في الوفاء على حقوق الناس , فإن قتله الإمام , أو صلبه للمحاربة , كان للولي أخذ الدية في مال المقتول ; لأن حقه في القود قد سقط , فبقي حقه في الدية , أو العفو عنها , على ما بينا في " كتاب القصاص " ولله الحمد. فإن اختار الإمام قطع يد المحارب , ورجله , أو نفيه : أنفذ ذلك , وكان حينئذ للولي الخيار في قتله , أو الدية , أو المفاداة , أو العفو ; لأن الإمام قد استوفى ما جعل الله تعالى له الخيار فيه وليس هاهنا شيء يسقط حق الولي , إذ ممكن له أن يستوفي حقه بعد استيفاء حق الله تعالى. ولقد تناقض هاهنا الحنفيون , والمالكيون , أسمج تناقض ; لأنهم لا يختلفون في الحج , والصيام , والزكاة , والكفارات , والنذور , بأن حقوق الناس أولى من حقوق الله تعالى ، وأن ديون الغرماء أوجب في القضاء من ديون الله تعالى , وأن شروط الناس مقدمة في الوفاء على شروط الله تعالى وقد تركوا هاهنا هذه الأقوال الفاسدة , وقدموا حقوق الله تعالى على حقوق الناس وبالله تعالى التوفيق.///

كتاب المحاربين

2261 - مسألة : مانع الزكاة

قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا أحمد بن الفضل الدينوري ، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، حدثنا الحارث أنا محمد بن سعد ، حدثنا محمد بن عمر الواقدي ني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن فاطمة بنت خشاف السلمية عن عبد الرحمن بن الربيع الطفري وكانت له صحبة قال : بعث رسول الله ﷺ إلى رجل من أشجع تؤخذ صدقته فجاءه الرسول فرده , فرجع إلى النبي ﷺ فأخبره , فقال رسول الله ﷺ : اذهب إليه , فإن لم يعط صدقته فاضرب عنقه قال عبد الرحمن : فقلت لحكيم : ما أرى أبا بكر قاتل أهل الردة إلا على هذا الحديث فقال : أجل

قال أبو محمد رحمه الله : هذا حديث موضوع مملوء آفات من مجهولين , ومتهمين , وحكم مانع الزكاة إنما هو أن تؤخذ منه أحب أم كره , فإن مانع دونها فهو محارب , فإن كذب بها فهو مرتد , فإن غيبها ولم يمانع دونها فهو آت منكرا , فواجب تأديبه أو ضربه حتى يحضرها أو يموت قتيل الله تعالى , إلى لعنة الله. كما قال رسول الله ﷺ : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع وهذا منكر , ففرض على من استطاع أن يغيره كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.

2262 - مسألة : هل يبادر اللص أم يناشد

قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا أحمد بن الفضل الدينوري ، حدثنا محمد بن جرير الطبري ، حدثنا محمد بن بشار , ، ومحمد بن المثنى , قالا جميعا : حدثنا أبو عامر العقدي ، حدثنا عبد العزيز بن المطلب عن أخيه الحكم بن المطلب عن أبيه هو المطلب بن حنطب بن فهيذ بن مطرف الغفاري أن النبي ﷺ سأله سائل إن عدا علي عاد فأمره أن ينهاه ثلاث مرات , قال : فإن أبى علي فأمره بقتاله.

وقال عليه السلام : إن قتلك فأنت في الجنة , وإن قتلته فهو في النار. حدثنا يوسف بن عبد البر النمري ، حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف بن أحمد الضبي ، حدثنا العقيلي ، حدثنا جدي ، حدثنا يعلى بن أسد العمي ، حدثنا محمد بن كثير السلمي هو القصاب عن يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله ﷺ : الدار حرم فمن دخل عليك حرمك فاقتله

قال أبو محمد رحمه الله : الحديث الأول ليس بالقوي , ففيه : الحكم بن المطلب , ولا يعرف حاله والخبر الثاني فيه : محمد بن كثير القصاب وهو ذاهب الحديث , وليس بشيء

قال أبو محمد رحمه الله : والمعتمد عليه في الأخبار التي صدرنا بها في " كتابنا في المحاربين " من إباحة القتل دون المال وسائر المظالم , لكن إن كان على القوم المقطوع عليهم , أو الواحد المقطوع عليه , أو المدخول عليه منزله في المصر ليلا أو نهارا في أخذ ماله , أو في طلب زنا : أو غير ذلك , مهلة , فالمناشدة فعل حسن , لقول الله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} فإن لم يكن في الأمر مهلة , ففرض على المظلوم أن يبادر إلى كل ما يمكنه به الدفاع عن نفسه وإن كان في ذلك إتلاف نفس اللص والقاطع من أول وهلة فإن كان على يقين من أنه إن ضربه ولم يقتله ارتدع , فحرام عليه قتله. فإن لم يكن على يقين من هذا , فقد صح اليقين بأن مباحا له الدفع والمقاتلة فلا شيء عليه إن قتله من أول ضربة أو بعدها قصدا إلى مقتله أو إلى غير مقتله ; لأن الله تعالى قد أباح له المقاتلة والمدافعة قاتلا ومقتولا. وبالله تعالى التوفيق.

فأما لو كان اللص من الضعف بحيث لا يدافع أصلا , أو يدافع دفاعا يوقن معه أنه لا يقدر على قتل صاحب الدار فقتله صاحب المنزل فعليه القود ; لأنه قادر على منعه بغير القتل , فهو متعد.

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا أحمد بن عبد البصير ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا سفيان الثوري عن مسلم الضبي قال : قال إبراهيم النخعي : إن خشيت أن يبتدرك اللص فابدره

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا نظير قولنا والحمد لله رب العالمين

قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا حمام ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال : قلت للزهري : إن هشام بن عروة أخبرني أن عمر بن عبد العزيز إذ هو عامل على المدينة في زمان الوليد بن عبد الملك قطع يد رجل ضرب آخر بالسيف فضحك الزهري وقال لي : أو هذا مما يؤخذ به إنما كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز أن يقطع يد رجل ضرب آخر بالسيف قال الزهري : فدعاني عمر بن عبد العزيز واستفتاني في قطعه فقلت له : أرى أن يصدقه الحديث , ويكتب إليه : أن صفوان بن المعطل ضرب حسان بن ثابت بالسيف على عهد رسول الله ﷺ فلم يقطع النبي عليه السلام يده وضرب فلان فلانا بالسيف زمن مروان فلم يقطع مروان يده , وكتب إليه عمر بذلك , فمكث حينا لا يأتيه رجع كتابه ثم كتب إليه الوليد : أن حسانا كان يهجو صفوان ويذكر أمه ونساء أخر , قد قاله الزهري. وذكرت : أن مروان لم يقطع يده , ولكن عبد الملك قطع يده , فاقطع يده قال الزهري : فقطع عمر يده وكان من ذنوبه التي كان يستغفر الله تعالى منها

قال أبو محمد رحمه الله : إن كان رفع السيف على سبيل إخافة الطريق فهو محارب , عليه حكم المحارب , وإن كان لعدوان فقط , لا قطع طريق فعليه القصاص فقط , إلى المجروح , فإن لم يكن هنالك جرح فلا شيء إلا التعزير فقط وبالله تعالى التوفيق

2263 - مسألة : قطع الطريق من المسلم على المسلم وعلى الذمي سواء وذلك ; لأن الله تعالى إنما نص على حكم من حاربه وحارب رسوله ﷺ أو سعى في الأرض فسادا ولم يخص بذلك مسلما من ذمي وما كان ربك نسيا وليس هذا قتلا للمسلم بالذمي , ومعاذ الله من هذا , لكنه قتل له بالحرابة , ويمضي دم الذمي هدرا.

وكذلك القطع على امرأة , أو صبي , أو مجنون , كل ذلك محاربة صحيحة يستحق بها ما ذكرنا من حكم المحاربة

وأما الذمي إن حارب فليس محاربا , لكنه ناقض للذمة ; لأنه قد فارق الصغار , فلا يجوز إلا قتله ، ولا بد , أو يسلم , فلا يجب عليه شيء أصلا في كل ما أصاب من دم , أو فرج , أو مال , إلا ما وجد في يده فقط ; لأنه حربي لا محارب وبالله تعالى التوفيق.

وأما المسلم يرتد , فيحارب فعليه أحكام المحارب كلها على ما ذكرنا من فعل رسول الله ﷺ بالعرنيين الذين اقتص منهم قودا , وأقام عليهم حكم المحاربة وكانوا مرتدين محاربين متعدين وبالله تعالى التوفيق

2264 - مسألة : صفة الصلب للمحارب

قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في صفة الصلب الذي أمر الله تعالى به في المحارب فقال أبو حنيفة , والشافعي : يضرب عنقه بالسيف ثم يصلب مقتولا زاد الشافعي : ويترك ثلاثة أيام ثم ينزل فيدفن. وقال الليث بن سعد , والأوزاعي , وأبو يوسف : يصلب حيا ثم يطعن بالحربة حتى يموت. وقال بعض أصحابنا الظاهرين : يصلب حيا ويترك حتى يموت , وييبس كله ويجف , فإذا يبس وجف أنزل , فغسل , وكفن , وصلي عليه , ودفن

قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها لنعلم الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ومنه

فنظرنا في ذلك , فوجدنا من قال : يقتل ثم يصلب مقتولا , يحتجون بما ذكرناه قبل في " كتاب الدماء " من ديواننا كيف يكون القود من قول رسول الله ﷺ : إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة. ومن قوله عليه السلام أعف الناس قتلة أهل الإيمان. ومن نهيه عليه السلام أن يتخذ شيئا فيه الروح غرضا ولعنه عليه السلام من فعل ذلك.

وقد ذكرنا هذه الأحاديث هنالك بأسانيدها فأغنى عن إعادتها. وقالوا : طعنه على الخشبة ليس قتلة حسنة , ولا عفيفة , وهو اتخاذ الروح غرضا , فهذا لا يحل ونظرنا فيما احتج به من رأى قتله مصلوبا فوجدناهم يقولون : إن الله تعالى إنما أمرنا بالقتل عقوبة , وخزيا للمحارب في الدنيا , فإذ ذلك كذلك , فالعقوبة والخزي لا يقعان على ميت , وإنما خزي الميت في الآخرة لا في الدنيا , فلما كان ذلك كذلك بطل أن يصلب بعد قتله ردعا لغيره فعارضهم الأولون بأن قالوا : يصلب بعد قتله ردعا لغيره. فعارضهم هؤلاء بأن قالوا : ليس ردعا , وإنما هو عقوبة للفاعل , وخزي بنص القرآن وفي صلبه , ثم قتله , أعظم الردع أيضا

قال أبو محمد رحمه الله : هذا كل ما احتجت به الطائفتان معا , والتي احتجت به كلتا الطائفتين حق , إلا أنه أنتجوا منه ما لا توجبه القضايا الصحاح التي ذكروا , فمالوا عن شوارع الحق إلى زوائغ التلبيس والخطأ

قال أبو محمد رحمه الله : وذلك على ما نبين إن شاء الله تعالى : فنقول : إن قول رسول الله ﷺ : إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان و إذا قتلتم فأحسنوا القتلة و لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا. والنهي عن ذلك , فهو كله حق , كما قاله رسول الله ﷺ وهو كله مانع من أن يقتل بعد الصلب برمح أو برمي سهام , أو بغير ذلك كما ذكرنا. وإنما في هذه الأحاديث وجوب الفرض في إحسان قتله إن اختار الإمام قتله فقط , وليس في شيء من هذه الأخبار وجوب صلبه بعد القتل , ولا إباحة صلبه بعد القتل ألبتة , لا بنص , ولا بإشارة.

فأما إحسان القتل فحق ,

وأما صلبه بعد القتل , فدعوى فاسدة , ليست في شيء من الآثار التي ذكروا , ولا غيرها فبطل بيقين لا شك فيه احتجاجهم بهذه الأخبار في النكتة التي عليها تكلموا وهي الصلب بعد القتل أو قبله وسقط قولهم , إذ تعرى من البرهان

قال أبو محمد رحمه الله : ثم نظرنا فيما احتجت به الطائفة الثانية الموجبة قتله بعد الصلب , فوجدناهم يقولون : إن الصلب عقوبة وخزي في الدنيا , كما قال الله تعالى , وإن الميت لا يخزى في الدنيا بعد موته , ولا يعاقب بعد موته : قولا صحيحا لا شك فيه ووجدناهم يقولون : إن الردع يكون بصلبه حيا قولا أيضا خارجا عن أصولهم , إلا أنه ليس في شيء من ذلك كله إيجاب قتله بعد الصلب , كما قالوا , ولا إباحة ذلك أيضا وإنما في كل ما قالوه : إيجاب الصلب فقط , فأقحموا فيه القتل بعد الصلب جريا على عادتهم , في التلبيس والزيادة بالدعاوى الكاذبة , على النصوص ما ليس فيها فبطل قولهم أيضا لما ذكرنا

قال أبو محمد رحمه الله : فلما بطل القولان معا وجب الرد إلى القرآن , والسنة , كما افترض الله تعالى علينا بقوله عز وجل {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد قال : {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية كلها. فصح يقينا أن الله تعالى لم يوجب قط عليهم حكمين من هذه الأحكام , ولا أباح أن يجمع عليهم خزيان من هذه الأخزاء في الدنيا , وإنما أوجب على المحارب أحدها لا كلها , ولا اثنين منها , ولا ثلاثة فصح بهذا يقينا لا شك فيه : أنه إن قتل فقد حرم صلبه , وقطعه , ونفيه. وأنه إن قطع , فقد حرم قتله , وصلبه , ونفيه. وأنه إن نفي , فقد حرم قتله , وصلبه وقطعه وأنه إن صلب , فقد حرم قتله , وقطعه , ونفيه لا يجوز ألبتة غير هذا , فحرم بنص القرآن صلبه إن قتل. وحرم أيضا بنص القرآن قتله إن صلب وحرم هذا الوجه أيضا بسنن رسول الله ﷺ التي ذكرنا من إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان و إذا قتلتم فأحسنوا القتلة و لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا والنهي عن ذلك. فلما حرم قتله مصلوبا بيقين ; لما ذكرنا من وجوب اللعنة على من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا وحرم صلبه بعد القتل لما ذكرنا أنه لا يجوز عليه جمع الأمرين معا وجب ضرورة أن الصلب الذي أمر الله تعالى به في المحارب إنما هو صلب لا قتل معه ولو لم يكن هكذا لبطل الذي أمر الله تعالى به , ولكان كلاما عاريا من الفائدة أصلا , وحاش لله تعالى من أن يكون كلامه تعالى هكذا ولكان أيضا تكليفا لما لا يطاق وهذا باطل. فصح يقينا أن الواجب أن يخير الإمام صلبه إن صلبه حيا , ثم يدعه حتى ييبس ويجف كله ; لأن الصلب في كلام العرب يقع على معنيين : أحدهما : من الأيدي , والربط على الخشبة , قال الله تعالى حاكيا عن فرعون {ولأصلبنكم في جذوع النخل} والوجه الآخر : التيبيس , قال الشاعر , يصف فلاة مضلة : بها جيف الحسرى

فأما عظامها فبيض

وأما جلدها فصليب يريد أن جلدها يابس. وقال الآخر : جذيمة ناهض في رأس نيق ترى لعظام ما جمعت صليبا يريد : ودكا سائلا

قال أبو محمد رحمه الله : فوجب جمع الأمرين معا , حتى إذا أنفذنا أمر الله تعالى فيه وجب به ما افترضه الله تعالى للمسلم على المسلم : من الغسل , والتكفين , والصلاة , والدفن , على ما قد ذكرنا قبل هذا.

فإن قال قائل : أليس الرجم اتخاذ ما فيه الروح غرضا

وكذلك قولكم في القود بمثل ما قتل فجوابنا , وبالله تعالى التوفيق : نعم , وهما مأمور بهما , قد حكم عليه السلام بكليهما فوجب أن يكونا مستثنيين مما نهى عنه من اتخاذ الروح غرضا ,

فأما الرجم فبالنص والإجماع ,

وأما القود فبالنص الجلي في رضخ رأس اليهودي وفي العرنيين كما قلتم أنتم ونحن في أن القصاص من قطع الأيدي , والأرجل , وسمل الأعين , وجدع الأنف , والآذان , وقطع الشفاه , والألسنة , وقلع الأضراس , حق واجب إنفاذه , مستثنيين من المثلة المحرمة , ولا فرق

فإن قال قائل : فإنكم قد سمعتم قول رسول الله ﷺ : أعف الناس قتلة أهل الإيمان و إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وأنتم تقتلونه أوحش قتلة وأقبحها : جوعا , وعطشا , وحرا , وبردا فنقول : وما قتلناه أصلا , بل صلبناه كما أمر الله تعالى : وما مات إلا حتف أنفه , وما يسمى هذا في اللغة مقتولا

فإن قالوا : فإنكم تقولون فيمن سجن إنسانا ومنعه الأكل والشرب حتى مات إنه يسجن ويمنع الأكل والشرب حتى يموت , فهذا قتل بقتل فنقول : إن هذا ليس قتلا , ولا قودا بقتل , بل هو ظلم وقود من الظلم فقط.

وبرهان ذلك : أن رجلا لو اتفق له أن يقفل بابا بغير عدوان , فإذا في داخل الدار إنسان لم يشعر به , فمات هنالك جوعا وعطشا : أنه لا كفارة على قافل الباب أصلا , ولا دية على عاقلته ; لأنه ليس قاتلا

فإن قيل : إنكم تمنعونه الصلاة والطهارة

قلنا : نعم ; لأن الله تعالى إذ أمر بصلبه قد علم أنه ستمر عليه أوقات الصلوات , فلم يأمرنا بإزالة التصليب عنه من أجل ذلك وما كان ربك نسيا فلا يسع مسلما , ولا يحل له أن يعترض على أمر الله تعالى لا معقب لحكمه و لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

2265 - مسألة : صفة القتل في المحارب

قال أبو محمد رحمه الله : لا خلاف على أن القتل الواجب في المحارب إنما هو ضرب العنق بالسيف فقط ,

وأما قطعه فإن الله تعالى قال : {أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف} . فصح بهذا أنه لا يجوز قطع يديه ورجله معا ; لأنه لو كان ذلك لم يكن القطع من خلاف , وهذا أيضا إجماع لا شك فيه , فقال قوم : يقطع يمين يديه ويسرى رجليه ثم يحسم بالنار ، ولا بد

قال أبو محمد : أما الحسم فواجب ; لأنه إن لم يحسم مات , وهذا قتل لم يأمر الله تعالى به , وقد

قلنا : إنه لا يحل أن يجمع عليه الأمران معا ; لأن الله تعالى إنما أمر بذلك بلفظ " أو " وهو يقتضي التخيير ، ولا بد. ولو أراد الله تعالى جمع ذلك لقال : أن يقتلوا ويصلبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. وهكذا قوله تعالى {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} .

وقوله تعالى {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} .

فإن قال قائل : فإن العرب قد قالت : جالس الحسن , أو ابن سيرين وكل خبزا , أو تمرا

وقال تعالى {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} .

قلنا : أما قول الله تعالى {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} فهو على ظاهره , وهو عليه السلام منهي أن يطيع الآثم وإن لم يكن كفورا وكل كفور آثم , وليس كل آثم كفورا

فصح أن ذكره تعالى للكفور تأكيد أبدا , وإلا فالكفور داخل في الآثم.

وأما قول العرب : جالس الحسن , أو ابن سيرين وكل خبزا , أو تمرا , فنحن لا نمنع خروج اللفظ عن موضوعه في اللغة بدليل , وإنما نمنع من إخراجه بالظنون والدعوى الكاذبة. وإنما صرنا إلى أن قول القائل : جالس الحسن , أو ابن سيرين : إباحة لمجالستهما معا , ولكل واحد منهما بانفراده.

وكذلك قولهم : كل خبزا , أو تمرا أيضا , ولا فرق بدليل أوجب ذلك من حال المخاطب , ولولا ذلك الدليل لما جاز إخراج " أو " عن موضوعها في اللغة أصلا وموضوعها , إنما هو التخيير أو الشك والله تعالى لا يشك , فلم يبق إلا التخيير فقط

قال أبو محمد : ولو قطع القاطع يسرى يديه , ويمنى رجليه , لم يمنع من ذلك , عمدا فعله أو غير عامد ; لأن الله تعالى لم ينص على قطع يمنى يديه دون يسرى , وإنما ذكر تعالى الأيدي والأرجل فقط وما كان ربك نسيا. ومن ادعى هاهنا إجماعا فقد كذب على جميع الأمة , ولا يقدر على أن يوجد ذلك عن أحد من الصحابة أصلا , وما نعلمه عن أحد من التابعين وبالله تعالى التوفيق.////////

====

ومن كتاب الام للشافعي

في المرتد

[قال الشافعي]: رحمة الله عليه: وإذا ارتد الرجل عن الإسلام ولحق بدار الحرب أو هرب فلم يدر أين هو أو خرس أو عته أوقفنا ماله فلم نقض فيه بشيء وإن لم يسلم قبل انقضاء عدة امرأته بانت منه وأوقفنا أمهات أولاده ومدبريه وجميع ماله وبعنا من رقيقه ما لا يرد عليه وما كان بيعه نظرا له ولم يحلل من ديونه المؤجلة شيء فإن رجع إلى الإسلام دفعنا إليه ماله كما كان بيده قبل ما صنع فإن مات قبل الإسلام فماله فيء يخمس فتكون أربعة أخماسه للمسلمين وخمسه لأهل الخمس. فإن زعم بعض ورثته أنه قد أسلم قبل أن يموت كلف البينة فإن جاء بها أعطي ماله ورثته من المسلمين وإن لم يأت بها وقد علمت منه الردة فماله فيء، وإن قدم ليقتل فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وقتله بعض الولاة الذين لا يرون أن يستتاب بعض المرتدين فميراثه لورثته المسلمين وعلى قاتله الكفارة والدية ولولا الشبهة لكان عليه القود وقد خالفنا في هذا بعض الناس وقد كتبناه في كتاب المرتد وإذا عرضت الجماعة لقوم من مارة الطريق وكابروهم بالسلاح فإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض ونفيهم أن يطلبوا فينفوا من بلد إلى بلد فإذا ظفر بهم أقيمت عليهم أي هذه الحدود كان حدهم ولا يقطعون حتى يبلغ قدر ما أخذ كل واحد منهم ربع دينار فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم سقط عنهم ما لله من هذه الحدود ولزمهم ما للناس من مال أو جرح أو نفس حتى يكونوا يأخذونه أو يدعونه فإن كانت منهم جماعة ردءا لهم حيث لا يسمعون الصوت أو يسمعونه عزروا ولم يصنع بهم شيء من هذه الحدود. ولا يحد ممن حضر المعركة إلا من فعل هذا لأن الحد إنما هو بالفعل لا بالحضور ولا التقوية. وسواء كان هذا الفعل في قرية أو صحراء ولو أعطاهم السلطان أمانا على ما أصابوا كان ما أعطاهم عليه الأمان من حقوق الناس باطلا ولزمه أن يأخذ لهم حقوقهم إلا أن يدعوها ولو فعلوا غير مرتدين عن الإسلام. ثم ارتدوا عن الإسلام بعد فعلهم ثم تابوا أقيمت عليهم تلك الحدود لأنهم فعلوها وهم ممن تلزمهم تلك الحدود ولو كانوا ارتدوا عن الإسلام قبل فعل هذا ثم فعلوه مرتدين ثم تابوا لم نقم عليهم شيئا من هذا لأنهم فعلوه وهم مشركون ممتنعون قد ارتد طليحة فقتل ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن بيده ثم أسلم فلم يقد منه ولم يعقل لأنه فعل ذلك في حال الشرك ولا تباعة عليه في الحكم إلا أن يوجد مال رجل بعينه في يديه فيؤخذ منه، ولو كانوا ارتدوا ثم فعلوا هذا ثم تابوا ثم فعلوا مثله أقيمت عليهم الحدود في الفعل الذي فعلوه وهم مسلمون ولم تقم عليهم في الفعل الذي فعلوه وهم مشركون [قال]: وللشافعي قول آخر في موضع آخر إذا ارتد عن الإسلام ثم قتل مسلما ممتنعا وغير ممتنع قتل به وإن رجع إلى الإسلام لأن المعصية بالردة إن لم تزده شرا لم تزده خيرا فعليه القود [قال الربيع]: قياس قول الشافعي أنه إذا سرق العبد من المغنم فبلغت سرقته تمام سهم حر وأكثر فكان ربع دينار وأكثر أنه يقطع لأنه يزعم أنه لا يبلغ بالرضخ للعبد سهم رجل فإذا بلغ سهم رجل والذي بلغه بعد سهم رجل ربع دينار أو أكثر من السهم بربع قطع.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا ارتد العبد عن الإسلام ولحق بدار الحرب ثم أمنه الإمام على أن لا يرده إلى سيده فأمانه باطل وعليه أن يدفعه إلى سيده فلو حال بينه وبين سيده بعد وصوله إليه فمات في يديه ضمن لسيده قيمته وكان كالغاصب وإن لم يمت كان لسيده عليه أجرته في المدة التي حبسه عنه فيها، وإذا ضرب الرجل بالسيف ضربة يكون في مثلها قصاص اقتص منه وإن لم يكن فيها قصاص فعليه الأرش، ولا تقطع يد أحد إلا السارق وقد ضرب صفوان بن المعطل حسان بن ثابت بالسيف ضربا شديدا على عهد رسول الله ﷺ فلم يقطع صفوان وعفا حسان بعد أن برأ فلم يعاقب رسول الله ﷺ صفوان وهذا يدل أن لا عقوبة على من كان عليه قصاص فعفي عنه في دم ولا جرح وإلى الوالي قتل من قتل على المحاربة لا ينتظر به ولي المقتول، وقد قال بعض أصحابنا ذلك قال: ومثله الرجل يقتل الرجل من غير نائرة واحتج لهم بعض من يذهب مذاهبهم بأمر المحدر بن زياد ولو كان حديثه مما نثبته قلنا به فإن ثبت فهو كما قالوا ولا أعرفه إلى يومي هذا ثابتا وإن لم يثبت فكل مقتول قتله غير المحارب فالقتل فيه إلى ولي المقتول من قبل أن الله جل وعلا يقول {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} وقال عز وجل: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} فبين في حكم الله عز وجل أنه جعل العفو أو القتل إلى ولي الدم دون السلطان إلا في المحارب فإنه قد حكم في المحاربين أن يقتلوا أو يصلبوا فجعل ذلك حكما مطلقا لم يذكر فيه أولياء الدم. وإذا كان ممن قطع الطريق من أخذ المال ولم يقتل وكان أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى والحكم الأولى في يده اليمنى ورجله اليسرى ما بقي منهما شيء لا يتحول إلى غيرهما فإذا لم يبق منهما شيء يكون فيه حكم تحول الحكم إلى الطرفين الآخرين فكان فيهما ولا نقطع قطاع الطريق إلا فيما تقطع فيه السراق وذلك ربع دينار يأخذه كل واحد منهم فصاعدا أو قيمته وقطع الطريق بالعصا والرمي بالحجارة مثله بالسلاح من الحديد وإذا عرض اللصوص لقوم فلا حد إلا في فعل وإن اختلفت أفعالهم فحدودهم بقدر أفعالهم من قتل منهم وأخذ المال قتل وصلب ومن قتل منهم ولم يأخذ مالا قتل ولم يصلب ومن أخذ المال قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف ومن كثر جماعتهم ولم يفعل شيئا من هذا قاسمهم ما أصابوا أو لم يقاسمهم عزر وحبس وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق عفو لأن الله جل وعز حدهم بالقتل أو القتل والصلب أو القطع ولم يذكر الأولياء كما ذكرهم في القصاص في الآيتين فقال عز وجل: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} وقال في الخطأ {فدية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} وذكر القصاص في القتلى ثم قال عز وجل: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} فذكر في الخطأ والعمد أهل الدم ولم يذكرهم في المحاربة فدل على أن حكم قتل المحارب مخالف لحكم قتل غيره والله أعلم.

[قال الشافعي]: كل ما استهلك المحارب أو السارق من أموال الناس فوجد بعينه أخذ وإن لم يوجد بعينه فهو دين عليه يتبع به قال: وإن تاب المحاربون من قبل أن نقدر عليهم سقط عنهم ما لله عز وجل من الحد ولزمهم ما للناس من حق فمن قتل منهم دفع إلى أولياء المقتول فإن شاء عفا وإن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية حالا من مال القاتل ومن جرح منهم جرحا فيه قصاص فالجروح بين خيرتين إن أحب فله القصاص وإن أحب فله عقل الجروح فإن كان فيهم عبد فأصاب دما عمدا فولي الدم بالخيار بين أن يقتله أو يباع له فتؤدى إليه دية قتله إن كان حرا وإن كان عبدا فقيمة قتيله فإن فضل من ثمنه شيء رد إلى مالكه فإن عجز عن الدية لم يضمن مالكه شيئا وإن كان كفافا للدية فهو لولي القتيل إلا أن يشاء مالك العبد إذا عفا له عن القصاص أن يتطوع بدية الذي قتله عبده أو قيمته وإذا كانت في المحاربين امرأة فحكمها حكم الرجال لأني وجدت أحكام الله عز وجل على الرجال والنساء في الحدود واحدة قال الله تبارك وتعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقال {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ولم يختلف المسلمون في أن تقتل المرأة إذا قتلت وإذا أحدث المسلم حدثا في دار الإسلام فكان مقيما بها ممتنعا أو مستخفيا أو لحق بدار الحرب فسأل الأمان على إحداثه فإن كان فيها حقوق للمسلمين لم ينبغ للإمام أن يؤمنه عليها ولو أمنه عليها فجاء طالبها وجب عليه أن يأخذه بها وإن كان ارتد عن الإسلام فأحدث بعد الردة ثم استأمن أو جاء مؤمنا سقط عنه جميع ما أحدث في الردة والامتناع قد ارتد طليحة عن الإسلام وثنيا وقتل ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن ثم أسلم فلم يقد بواحد منهما ولم يؤخذ منه عقل لواحد منهما وإنما أمر الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام فقال {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} ولم أعلم بذلك في أحد من أهل الإسلام فإن قال قائل: فلم لا تجعل ذلك في أهل الإسلام الممتنعين كما تجعله في المشركين الممتنعين؟ قيل: لما وصفنا من سقوط ما أصاب المشرك في شركه وامتناعه من دم أو مال عنه وثبوت ما أصاب المسلم في امتناعه مع إسلامه فإن الحدود إنما هي على المؤمنين لا على المشركين ووجدت الله عز وجل حد المحاربين وهم ممتنعون كما حد غيرهم وزادهم في الحد بزيادة ذنبهم ولم يسقط عنهم بعظم الذنب شيئا كما أسقط عن المشركين وإذا أبق العبد من سيده ولحق بدار الحرب ثم استأمن الإمام على أن لا يرده على سيده فعليه أن يرده على سيده وكذلك لو قال على أنك حر كان أن يرده إلى سيده وأمان الإمام في حقوق الناس باطل وإذا قطع الرجل الطريق على رجلين أحدهما أبوه أو ابنه وأخذ المال فإن كان ما أخذ من حصة الذي ليس بأبيه يبلغ ربع دينار فصاعدا قطع كان مالهما مختلطا أو لم يكن لأن أحدهما لا يملك بمخالطته مال غيره إلا مال نفسه فإن استيقنا أن قد وصل إليه ربع دينار من غير مال أبيه أو ابنه قطعناه وإذا قطع أهل الذمة. على المسلمين حدوا حدود المسلمين وإذا قطع المسلمون على أهل الذمة حدوا حدودهم لو قطعوا على المسلمين إلا أني أتوقف في أن أقتلهم إن قتلوا أو أضمنهم الدية وإذا سرق الرجل من المغنم وقد حضر القتال عبدا كان أو حرا لم يقطع لأن لكل واحد منهما فيه نصيب الحر بسهمه والعبد بما يرضخ له ويضمن وكذلك كل من سرق من بيت المال وكذلك كل من سرق من زكاة الفطر وهو من أهل الحاجة ومن سرق خمرا من كتابي وغيره فلا غرم عليه ولا قطع وكذلك إن سرق ميتة من مجوسي فلا قطع ولا غرم لا يكون القطع والغرم إلا فيما يحل ثمنه فإذا بلغت قيمة الظرف ربع دينار قطعته من قبل أنه سارق لشيئين وعاء يحل بيعه والانتفاع به إذا غسل وخمر قد سقط القطع فيها كما يكون عليه القطع لو سرق شاتين: إحداهما ذكية والأخرى ميتة وكانت قيمة الذكية ربع دينار لم يسقط عنه القطع أن يكون معها ميتة والميتة كلا شيء وكأنه منفرد بالذكية لأنه سارق لهما، والله أعلم.

===

كراهية نساء أهل الكتاب الحربيات

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أحل الله تبارك وتعالى نساء أهل الكتاب وأحل طعامهم فذهب بعض أهل التفسير إلى أن طعامهم ذبائحهم فكان هذا على الكتابيين محاربين كانوا أو ذمة لأنه قصد بهم قصد أهل الكتاب فنكاح نسائهم حلال لا يختلف في ذلك أهل الحرب وأهل الذمة كما لو كان عندنا مستأمن غير كتابي وكان عندنا ذمة مجوس فلم تحلل نساؤهم إنما رأينا الحلال والحرام فيهم على أن يكن كتابيات من أهل الكتاب المشهور من أهل التوراة والإنجيل وهم اليهود والنصارى فيحللن ولو كن يحللن في الصلح والذمة ويحرمن من المحاربة حل المجوسيات والوثنيات إذا كن مستأمنات غير أنا نختار للمرء أن لا ينكح حربية خوفا على ولده أن يسترق ويكره له أن لو كانت مسلمة بين ظهراني أهل الحرب أن ينكحها خوفا على ولده أن يسترقوا أو يفتنوا فأما تحريم ذلك فليس بمحرم والله تعالى أعلم.

====

كتاب الجنايات

العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان إليهم ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم كما يقصد الوالد تأديب ولده وكما يقصد الطبيب معالجة المريض

وتوية القاتل للنفس عمدا مقبولة عند الجمهور وقال ابن عباس لا تقبل وعن الإمام أحمد روايتان وإذا اقتص منه في الدنيا فهل للمقتول أن يستوفي حقه في الآخرة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره وليست التوبة بعد الجرح أو بعد الرمي قبل الإصابة مانعة من وجوب القصاص ذكر أصحابنا من صور القتل العمد الموجب للقود من شهدت عليه بينة بالردة فقتل بذلك ثم رجعوا وقالوا عمدنا قتله

وهذا فيه نظر لأن المرتد إنما يقتل إذا لم يتب فيمكن المشهود عليه التوبة كما يمكنه التخلص إذا القي في الغار

والدول على من يقتل بغير حق يلزمه القود والدية إذا تعمد وإمساك الحيات جناية محرمة قال في المحرر: لو أمر به يعني القتل سلطان عادل أو جائر ظلما من لم يعرف ظلمه فيه فقتله فالقود والدية على الآمر خاصة

قال أبو العباس: هذا بناء على وجوب طاعة السلطان في القتل المجهول وفيه نظر بل لا يطاع حتى يعلم جواز قتله وحينئذ فتكون الطاعة له معصية لا سيما إذا كان معروفا بالظلم فهنا الجهل بعدم الحل كالعلم بالحرمة وقياس المذهب أنه إذا كان المأمور ممن يطيعه غالبا في ذلك أنه يجب القتل عليهما وهو أولى من الحاكم والشهود سبب يقتضي غالبا فهو أقوى من المكره ولا يقتل مسلم بذمي إلا أن يقتله غيلة لأخذ ماله وهو مذهب مالك قال أصحابنا ولا يقتل حر بعبد ولكن ليس في العبد نصوص صحيحة صريحة كما في الذمي بل أجود ما روي [ من قتل عبده قتلناه ] وهذا لأنه إذا قتله ظلما كان الإمام ولي دمه

وأيضا فقد ثبت في السنة والآثار أنه إذا مثل بعبده عتق عليه وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما وقتله أعظم أنواع المثلة فلا يموت إلا حرا لكن حريته لم تثبت حال حياته حتى ترثه عصبته بل حريته ثبتت حكما وهو إذا عتق كان ولاؤه للمسلمين فيكون الإمام هو وليه فله قاتل عبده وقد يحتج بهذا من يقول إن قاتل عبد غيره لسيده قتله وإذا دل الحديث على هذا كان هذا القول هو الراجح وهذا قوي على قول أحمد فإنه يجوز شهادة العبد كالحر بخلاف الذمي فلماذا لا يقتل الحر بالعبد

وقد قال النبي ﷺ: [ المؤمنون تتكافأ دماؤهم ] ومن قال لا يقتل حر بعبد يقول إنه لا يقتل الذمي الحر بالعبد المسلم والله سبحانه وتعالى يقول: { ولعبد مؤمن خير من مشرك } فالعبد المؤمن خير من الذمي المشرك فكيف لا يقتل به والسنة إنما جاءت لا يقتل والد بولد فإلحاق الجد أبي الأم بذلك بعيد ويتوجه أن لا يرث القاتل دما من وارث كما لا يرث هو المقتول وهو يشبه حد القذف المطالب به إذا كان القاذف هو الوارث أو وارث الوارث فعلى هذا لو قتل أحد الابنين أباه والآخر أمه وهي في زوجية الأب فكل واحد منهما يستحق قتل الآخر فيتقاصان لا سيما إذا قيل إنه مستحق القود بملك نقله إلى غيره إما بطريق التوكيل بلا ريب وإما بالتمليك وليس ببعيد

وإذا كان المقتول رضي بالإستيفاء أو بالذمة فينبغي أن يتعين كما لو عفا وعليه تخرج قصة علي إذا لم تخرج علي كونه مرتدا أو مفسدا في الأرض أو قاتل الأئمة وإذا قال أنا قاتل غلام زيد فقياس ال مذهب إن كان نحويا لم يكن مقرا وإن كان غير نحوي كان مقرا كما لو قاله بالإضافة ومن رأى رجلا يفجر بأهله جاز له قتلهما فيما بينه وبين الله تعالى وسواء كان الفاجر محصنا أو غير محصن معروفا بذلك أم لا كما دل عليه كلام الأصحاب وفتاوى الصحابة وليس هذا من باب دفع الصائل كما ظنه بعضهم بل هو من عقوبة المعتدين المؤذين

وأما إذا دخل ولم يفعل بعد فاحشة ولكن دخل لأجل ذلك فهذا فيه نزاع والأحوط لهذا أن يتوب من القتل في مثل هذه الصورة ومن طلب منه الفجور كان عليه أن يدفع الصائل عليه فإن لم يندفع إلا بالقتل كان له ذلك باتفاق الفقهاء

فإن ادعى القاتل أنه صال وأنكر أولياء المقتول فإن كان المقتول معروفا بالبر وقتله في محله لا ريبة فيه لم يقبل قول القاتل وإن كن معروفا بالفجور والقاتل معروفا بالبر فالقول قول القاتل مع يمينه لا سيما إذا كان معروفا بالتعرض له قبل ذلك

باب استيفاء القود والعفو عنه

والجماعة المشتركون في استحقاق دم المقتول الواحد إما أن يثبت لكل واحد بعض الإستيفاء فيكونون كالمشتركين في عقد أو خصومة وتعيين الإمام قوي كما يؤجر عليهم لنيابته عن الممتنع والقرعة الأكثر حقا أو الأفضل لقوله كبر وكالأولياء في النكاح وذلك أنهم قالوا: هنا من تقدم بالقرعة قدمته ولم تسقط حقوقهم ويتوجه إذا قلنا ليس للولي أخذ الدية إلا برضا الجاني أن يسقط حقه بموته كما لو مات العبد الجاني أو المكفول به وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي ثواب وأبي القاسم وأبي طالب ويتوجه ذلك وإن قلنا لواجب القود عينا أو أحد شيئين لأن الدية عديل العفو فأما الدية مع الهلاك فلا والذي ينبغي أن لا يعاقب المجنون بقتل ولا قطع لكن يضرب على فعل ليزجر وكذا الصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيرا بليغا

قال أصحابنا: وإن وجب لعبد قصاص أو تعزير قذف فطلبه وإسقاطه إليه دون سيده ويتوجه أن لا يملك إسقاطه مجانا كالمفلس والورثة مع الديون المستغرفة على أحد الوجهين وكذلك الأصل في الوصي والقياس أن لا يملك السيد تعزير القذف إذا مات العبد إلا إذا طالب كالوارث ويفعل بالجاني على النفس مثل ما فعل بالمجني عليه ما لم يكن محرما في نفسه أو يقتله بالسيف إن شاء وهو رواية عن أحمد

ولو كوى شخصا بمسمار كان للمجني عليه أن يكويه مثل ما كواه إن أمكن ويجري القصاص في اللطمة والضربة ونحو ذلك وهو مذهب الخلفاء الراشدين وغيرهم ونص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعد الشالنجي ولا يستوفى القود في الطريق إلا بحضرة السلطان ومن أبرأ جانيا حرا جماية على عاقلته إن قلنا تجب الدية على العاقلة أو تحمل عنه ابتداء أو عبدا إن قلنا جناية في ذمته مع أنه يتوجه الصحة مطلقا وهو وجه بناء على أن مفهوم هذا اللفظ في عرف الناس العفو مطلقا والتصرفات تحمل موجباتها على عرف الناس فتختلف باختلاف الاصطلاحات وإذا عفا أولياء المقتول عن القاتل بشرط ألا يقيم في هذا البلد ولم يف بهذا الشرط لم يكن العفو لازما بل لهم أن يطالبوه بالدية في قول العلماء وبالدم في قول آخر

وسواء قيل هذا الشرط صحيح أم فاسد يفسد به العقد أم لا ولا يصح العفو في قتل الغفلة لتعذر الاحتراز منه كالقتل في المحاربة وولاية القصاص والعفو عنه ليست عامة لجميع الورثة بل تختص بالعصبة وهو مذهب مالك وتخرج رواية عن أحمد وإذا اتفق الجماعة على قتل شخص فلأولياء الدم أن يقتلوهم ولهم أن يقتلوا بعضهم وإن لم يعلم عين القاتل فللأولياء أن يحلفوا على واحد بقتله أنه قتله ويحكم لهم بالدم انتهى

كتاب الديات

المعروف أن الحر يضمن بالإتلاف لا باليد إلا الصغير ففيه روايتين كالروايتين في سرقته فإن كان الحر قد تعلق برقبته حق لغيره مثل أن يكون عليه حق قود أو في ذمته مال أو منفعته أو عنده أمانات أو غصوب تلفت بتلفه مثل أن يكون حافظا عليها وإذا تلف زال الحفظ فينبغي أنه إن أتلف فما ذهب باتلافه من عين أو منفعة مضمونه ضمنت كالقود فإنه مضمون لكن هل ينتقل الحق إلى القاتل فيخير الأولياء بين قتله والعفو عنه أو إلى ترك الأول ففيه روايتان وأما إذا تلف تحت اليد العادية فالمتوجه أن يضمن ما تلف بذلك من مال أو بدل قود بحيث يقال إذا كان عليه قود فحال بين أهل الحق والقرد حتى مات ضمن لهم الدية ومن جنى على سنة اثنان واختلفوا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلفه كل منهما قاله أصحابنا ويتوجه أن يقترعا على القدر المتنازع فيه لأنه ثبت على أحدهما لا بعينه كما لو ثبت الحق لأحدهما لا بعينه وإذا أخذ من لحيته ما لا جمال فيه فهل يجب القسط أو الحكومة

فصل

وأبو الرجل وابنه من عاقلته عند الجمهور كأبي حنيفة ومالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه وتؤخذ الدية من الجاني خطأ عند تعذر العاقلة في أصح قولي العلماء ولا يؤجل على العاقلة إذا رأى الإمام المصلحة فيه ونص على ذلك الإمام أحمد ويتوجه أن يعقل ذوو الأرحام عند عدم العصبة إذا قلنا تجب النفق عليهم والمرتد يجب أن يعقل عنه من يرثه من المسلمين أو أهل الدين الذي انتقل إليه

باب القسامة

نقل الميموني عن الإمام أحمد أنه قال: اذهب إلى القسامة إذا كان ثم لطخ وإذا كان ثم سبب بين وإذا كان ثم عداوة وإذا كان مثل المدعي عليه يفعل هذا فذكر الإمام أحمد أربعة أمور: اللطخ وهو التكلم في عرضه كالشهادة المردودة والسبب البين كالتعرف عن قتيل

والعداوة كون المطلوب من المعروفين بالقتل وهذا هو الصواب واختاره ابن الجوزي ثم لوث يغلب على الظن أنه قتل من اتهم بقتله جاز لأولياء المقتول أن يحلفوا خمسين يمينا ويستحقوا دمه وأما ضربه ليقر فلا يجوز إلا مع القرائن التي تدل على أنه قتله فإن بعض العلماء جوز تقريرا بالضرب في هذه الحال وبعضهم منع من ذلك مطلقا

كتاب الحدود

قوله تعالى: { فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } قد يستدل بذلك على أن المذنب إذا لم يعرف فيه حكم الشرع فإنه يمسك فيحبس حتى يعرف فيه الحكم الشرعي فينفذ فيه وإذا زنى الذمي بالمسلمة قتل ولا يصرف عنه القتل الإسلام ولا يعتبر فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم بل يكفي استفاضته واشتهاره وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سبب حدت إن لم تدعي الشبهة وكذا من وجد منه رائحة الخمر وهو رواية عن أحمد فيهما وغلظ المعصية وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان والكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات لكن قد تحبط ما يقابلها عند أهل السنة

ولا يشترط في القطع بالسرقة مطالبة المسروق منه بماله وهو رواية عن أحمد اختارها أبو بكر ومذهب مالك كإقراره بالزنا بأمة غيره ومن سرق تمرا أو ماشية من غير حرز أضعفت عليه القيمة وهو مذهب أحمد وكذا غيرها وهو رواية عنه

واللص الذي غرضه سرقة أموال الناس ولا غرض له في شخص معين فإن قطع يده واجب ولو عفا عنه رب المال

فصل

والمحاربون حكمهم في المصر والصحراء واحد وهو قول مالك في المشهور عنه والشافعي وأكثر أصحابنا قال القاضي المذهب على ما قال أبو بكر في عدم التفرقة ولا نص في الخلاف بل هم في البنيان أحق بالعقوبة منهم في الصحراء والزوى فالمباشرة في الخراب وهو مذهب أحمد وكذا في السرقة والمرأة التي تحضر النساء للقتل تقتل

والعقوبات التي تقام من حد أو تعزير إذا ثبتت بالبينة فإذا أظهر من وجب عليه الحد التوبة لم يوثق منه بها فيقام عليه وإن كان تائبا في الباطن كان الحد مكفرا وكان مأجورا على صبره وإن جاء تائبا بنفسه فاعترف فلا يقام عليه في ظاهر مذهب أحمد ونص عليه في غير موضع كما جزم به الأصحاب وغيرهم في المحاربين وإن شهد على نفسه كما شهد ه ما عزم والغامدية واختار إقامة الحد عليه اقيم وإلا لا وتصح التوبة من ذنب مع الإصرار على آخر إذا كان المقتضي للتوبة منه أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر أو كان المانع من أحدهما أشد هذا هو المعروف عن السلف والخلف ويلزم الدفع عن مال الغير وسواء كان المدفوع من أهل مكة أو غيرهم

وقال أبو العباس: في جند قاتلوا عربا نهبوا أموال تجار ليردوها إليهم فهم مجاهدون في سبيل الله ولا ضمان عليهم بقود ولاية ولا كفارة ومن أمن للرئاسة والمال لم يثب على فساد نيته كالمصلي رياء وسمعة

فصل

والأفضل ترك قتال أهل البغي حتى يبدأ الإمام وقاله مالك وله قتل أهل الخوارج ابتداء أو متممة تخريجهم وجمهور العلماء يفرقون بين الخوارج والبغاة المتأولين وهو المعروف عن الصحابة وأكثر المصنفين لقتال أهل البغي يرى القتال من ناحية علي ومنهم من يرى الإمساك وهو المشهور من قول أهل المدينة وأهل الحديث مع رؤيتهم لقتال من خرج عن الشريعة كالحرورية ونحوهم وأنه يجب والأخبار توافق هذا فاتبعوا النص الصحيح والقياس المستقيم وعلي كان أقرب إلى الصواب من معاوية ومن استحل أذى من أمره ونهاه بتأويل فكالمبتدع ونحوه يسقط بتوبته حق الله تعالى وحق العبد

واحتج أبو العباس: لذلك بما أتلفه البغاة لأنه من الجهاد الذي يجب الأجر فيه على الله تعالى وقتال التتار ولو كانوا مسلمين هو قتال الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة ويأخذ مالهم وذريتهم وكذا المقفز إليهم ولو ادعى إكراها ومن أجهز على جريح لم يأثم ولو تشهد ومن أخذ منهم شيئا خمس وبقيته له والرافضة والجبلية يجوز أخذ أموالهم وسبي حريمهم يخرج على تكفيرهم قال أصحابنا وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة فهما ظالمتان ضمنتان فأوجبوا الضمان على مجموع الطائفة وإن لم يعلم عين المتلف وإن تقاتلا تقاصا لأن المباشرة والمعين سواء عند الجمهور وإن جهل قدر ما نهبه كل طائفة من الأخرى تساويا كمن جهل قدر الحرام المختلط بماله فإنه يخرج النصف والباقي له ومن دخل لصلح فقتل فجهل قاتله ضمنه الطائفتان وأجمع العلماء على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولى

فصل

وإذا شككت في المطعوم والمشروب هل يسكر أو لا لم يحرم بمجرد الشك ولم يقم الحد على شاربه ولا ينبغي إباحته للناس إذ كان يجوز أن يكون مسكرا لأن إباحة الحرام مثل تحريم الحلال فتكشف عن هذا شهادة من تقبل شهادته مثل أن يكون طعمه ثم تاب منه أو طعمه غير معتقد تحريمه أو معتقدا حله لتداو ونحوه أو على مذهب الكوفيين في تحليل يسير النبيذ فإن شهد به جماعة ممن يتأوله معتقدا تحريمه فينبغي إذا أخبر عدد كثير لا يمكن تواطؤهم على الكذب أن يحكم بذلك فإن هذا مثل التواتر والاستفاضة كما استفاض بين الفساق والكفار الموت والنسب والنكاح والطلاق فيكون أحد الأمرين أما الحكم بذلك لأن التواتر لا يشترط فيه الإسلام والعدالة

وأما الشهادة بذلك بناء على الاستفاضة فلا يحصل بها التواتر ولنا أن نمتحن بعض العدول بتأوله لوجهين:

أحدهما: أنه لا يعلم تحريم ذلك قبل التأويل فيجوز الإقدام على تناوله وكراهة الإقدام على الشبهة تعارضها مصلحة بيان الحال

الوجه الثاني: أن المحرمات قد تباح عند الضرورة والحاجة إلى البيان موضع ضرورة فيجوز تناولها لأجل ذلك والحشيشة القنبية نجسة في الأصح وهي حرام سكر منها أو لم يسكر والمسكر منها حرام باتفاق المسلمين وضررها من بعض الوجوه أعظم من ضرر الخمر ولهذا أوجب الفقهاء فيها الحد كالخمر وتوقف بعض المتأخرين في الحد بها وإن أكلها يوجب التعزير بما دون الحد فيه نظر إذ هي داخلة في عموم ما حرم الله تعالى وأكلتها يتبشون عنها ويشبهونها بشرب الخمر وأكثر وتصدهم عن ذكر الله وإنما لم يتكلم المتقدمون في خصوصها لأنها إنما حدث أكلها في أواخر المائة السادسة أو قريبا من ذلك فكان ظهورها مع ظهور سيف بن بخشخا

ولا يجوز التداوي بالخمر ولا بغيرها من المحرمات وهو مذهب أحمد ويجوز شرب لبن الخيل إذ لم يصر مسكرا والصحيح في حد الخمر أحد الروايتين الموافقة لمذهب الشافعي وغيره أن الزيادة على الأربعين إلى الثمانين ليست واجبة على الإطلاق بل يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام كما جوزنا له الاجتهاد في صفة الضرب فيه بالجريد والنعال وأطراف الثياب في بقية الحدود

ومن التعزير الذي جاءت به السنة ونص عليه أحمد والشافعي: نفي المخنث وحلق عمر رأس نصر بن حجاج ونفاه لما افتتن به النساء فكذا من افتتن به الرجال من المردان ولا يقدر التعزير بل بما يردع المعزر وقد يكون بالعمل والنيل من عرضه مثل أن يقال له: يا ظالم يا معتدي وبإقامته من المجلس والذين قدروا التعزير من أصحابنا إنما هو فيما إذا كان تعزيرا على ما مضى من فعل أو ترك فإن كان تعزيرا لأجل ترك ما هو فاعل له فهو بمنزلة قتل المرتد والحربي وقتال الباغي والعادي وهذا التعزير ليس بقدر بل ينتهي إلى القتل كما هو الصائل لأخذ المال يجوز أن يمنع من الأخذ ولو بالقتل وعلى هذا فإذا كان المقصود دفع الفساد ولم يندفع إلا بالقتل قتل

وحينئذ فمن تكرر منه فعل الفساد ولم يرتدع بالحدود المقدرة بل استمر على ذلك الفساد كالصائل الذي لا يندفع إلا بالقتل فيقتل قيل ويمكن أن يخرج شارب الخمر في الرابعة على هذا ويقتل الجاسوس الذي يكرر التجسس وقد ذكر شيئا من هذا الحنفية والمالكية وإليه يرجع قول ابن عقيل وهو أصل عظيم في صلاح الناس

وكذلك تارك الواجب فلا يزال يعاقب حتى يفعله ومن قفز إلى بلاد العدو أو لم يندفع ضرره إلا بقتله قتل والتعزير بالمال سائغ إتلافا وأخذا وهو جار على أصل أحمد لأنه لم يختلف أصحابه أن العقوبات في الأموال غير منسوخة كلها وقول الشيخ أبي محمد المقدسي ولا يجوز أخذ مال المعزر فإشارة منه إلى ما يفعله الولاة الظلمة

ومن وطئ امرأة مشركة قدح ذلك في عدالته وأدب والتعزير يكون على فعل المحرمات وترك الواجبات فمن جنس ترك الواجبات من كتم ما يجب بيانه كالبائع المدلس والمؤجر والناكح وغيرهم من العاملين وكذا الشاهد والمخبر والمفتي والحاكم ونحوهم فإن كتمان الحق مشبه بالكذب وينبغي أن يكون سببا للضمان كما أن الكذب سبب للضمان فإن الواجبات عندنا في الضمان كفعل المحرمات حتى قلنا لو قدر على إنجاء شخص بإطعام أو سقي فلم يفعل فمات ضمنه فعلى هذا فلو كتم شهادة كتمانا أبطل بها حق مسلم ضمنه مثل أن يكون عليه حق بينه وقد أداه حقه وله بينة بالأداء فكتم الشهادة حتى يغرم ذلك الحق وكما لو كانت وثائق لرجل فكتمها أو جحدها حتى فات الحق ولو قال أنا أعلمها ولا أؤديها فوجوب الضمان ظاهر

وظاهر نقل ابن حنبل وابن منصور سماع الدعوى من الأعداء والتحليف في الشهادة ومن هذا الباب لو كان في القرية أو المحلة أو البلدة رجل ظالم فسأل الوالي أو الغريم عن مكانه ليأخذ منه الحق فإنه يجب دلالته عليه بخلاف ما لو كان قصده أكثر من الحق فعلى هذا إذا كتموا ذلك حتى تلف الحق ضمنوه ويملك السلطان تعزير من ثبت عنده أنه كتم الخبر الواجب كما يملك تعزير المقر قرارا محمولا حتى يفسره أو من كتم الإقرار وقد يكون التعزير بتركه المستحب كما يعزر العاطس الذي لم يحمد الله بترك تشميته

وقال أبو العباس: في موضع آخر والتعزير على الشيء دليل على تحريمه من هذا الباب ما ذكره أصحابنا وأصحاب الشافعي من قتل الداعية من أهل البدع كما قتل الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وغيلان القدري وقتل هؤلاء له مأخذان

أحدهما: كون ذلك كفرا كقتل المرتد أو جحودا أو تغليظا وهذا المعنى يعم الداعي إليها وغير الداعي وإذا كفروا فيكون قتلهم من باب قتل المرتد

والمأخذ الثاني: لما في الدعاء إلى البدعة من إفساد دين الناس ولهذا كان أصل الإمام أحمد وغيره من فقهاء الحديث وعلمائهم يفرقون بين الداعي إلى البدعة وغير الداعي في رد الشهادة وترك الرواية عنه والصلاة خلفه وهجره ولهذا ترك في الكتب الستة ومسند أحمد الرواية عن مثل عمر وابن عبيد ونحوه ولم يترك عن القدرية الذين ليسوا بدعاة وعلى هذا المأخذ فقتلهم من باب قتل المفسدين المحاربين لأن المحاربة باللسان كالمحاربة باليد ويشبه قتل المحاربين للسنة بالرأي قتل المحاربين لها بالرواية وهو قتل من يتعمد الكذب على رسول الله ﷺ كما قتل النبي ﷺ الذي كذب عليه في حياته وهو حديث جيد لما فيه من تغيير سنته

وقد قرر أبو العباس هذا مع نظائر له في الصارم المسلول كقتل الذي يتعرض لحرمه أو يسبه ونحو ذلك وكما أمر النبي ﷺ بقتل المفرق بين المسلمين لما فيه من تفريق الجماعة ومن هذا الباب الجاسوس المسلم الذي يخبر بعورات المسلمين ومنه الذي يكذب بلسانه أو بخطه أو يأمر بذلك حتى يقتل به أعيان الأمة علماؤها وأمراؤها فتحصل أنواع من الفساد كثيرة فهذا متى لم يندفع فساده إلا بقتله فلا ريب في قتله وإن جاز أن يندفع وجاز أن لا يندفع قتل أيضا وعلى هذا جاء قوله تعالى: { من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض } وقوله: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا } وأما إن اندفع الفساد الأكبر بقتله لكن قد بقي فساد دون ذلك فهو محل نظر

قال أبو العباس: وأفتيت أميرا مقدما على عسكر كبير في الحربية إذ نهبوا أموال المسلمين ولم ينزجروا إلا بالقتل أن يقتل من يكفون بقتله ولو أنهم عشرة إذ هو من باب دفع الصائل قال وأمر أميرا خرج لتسكين الفتنة الثائرة بين قيس يمن وقد قتل بينهم ألفان أن يقتل من يحصل بقتله كف الفتنة ولو أنهم مائة

قال: وأفتيت ولاة الأمور في شهر رمضان سنة أربع بقتل من أمسك في سوق المسلمين وهو سكران وقد شرب الخمر مع بعض أهل الذمة وهو مجتاز بشقة لحم يذهب بها إلى ندمائه وكنت أفتيتهم قبل هذا بأنه يعاقب عقوبتين: عقوبة على الشرب وعقوبة على الفطر فقالوا ما مقدار التعزير فقلت هذا يختلف باختلاف الذنب وحال المذنب وحال الناس وتوقف عن القتل فكبر هذا على الأمراء والناس حتى خفت أنه إن لم يقتل ينحل نظام الإسلام على انتهاك المحارم في نهار رمضان فأفتيت بقتله فقتل ثم ظهر فيما بعد أنه كان يهوديا وأنه أظهر الإسلام والمطلوب له ثلاثة أحوال:

أحدهما: براءته في الظاهر فهل يحضره الحاكم على روايتين

وذكر أبو العباس في موضع آخر أن المدعي حيث ظهر كذبه في دعواه بما يؤذي به المدعى عليه عزر لكذبه ولأذاه وأن طريقة القاضي رد هذه الدعوى على الروايتين بخلاف ما إذا كانت ممكنة ونص أحمد في رواية عبد الله فيما إذا علم بالعرف المطرد أنه لا حقيقة للدعوى لا يعذبه وفيما لم يعرف واحد من الأمرين يعذبه كما في رواية الأثرم وهذا وهذا التفريق حسن

والحال الثاني: إحتمال الأمرين وأنه يحضره بلا خلاف

والحال الثالث: تهمته وهو قياس سبب يوهم أن الحق عنده فإن الاتهام افتعال من الوهم وحبسه هنا بمنزلة حبسه بعد إقامة البينة وقبل التعزير أو بمنزلة حبسه بعد شهادة أحد الشاهدين فأما امتحانه بالضرب كما يجوز ضربه لامتناعه من أداء الحق الواجب دينا أو عينا ففي المسألة حديث النعمان بن بشير في سنن أبي داود لما قال: إن شئتم ضربته فإن ظهر الحق عنده وإلا ضربتكم وقال: هذا قضاء الله ورسوله وهذا يشبه تحليف المدعي إذا كان معه لون فإن اقتران اللون بالدعوى جعل جانبه مرجحا فلا يستبعد أن يكون اقترانه بالتهمة يبيح مثل ذلك والمقصود أنه إذا استحق التعزير وكان متهما بما يوجب حقا واحدا مثل أن يثبت عليه هتك الحرز ودخوله ولم يقر بأخذ المال وإخراجه ويثبت عليه الحراب خروجه بالسلاح وشهره له ولم يثبت عليه القتل والأخذ فهذا يعزر لما فعله من المعاصي وهل يجوز أن يفعل ذلك أيضا امتحانا لا غير فيجمع بين المصلحتين هذا قوي في حقوق الآدميين

فأما في حدود الله تعالى عند الحاجة إلى إقامتها فيحتمل ويقوي ذلك أن يعاقب الإمام من استحق العقوبة بقتل وتوهم العامة أنه عاقبه على بعض الذنوب التي يريد الحذر عنها وهذا شبه أنه ﷺ إذا أراد غزوا وروى بغيرها والذي لا ريب فيه أن الحاكم إذا علم كتمانه الحق عاقبه حتى يقر به كما يعاقب كاتم المال الواجب أدؤها فأما إذا احتمل أن يكون كاتما فهذا كالمتهم سواء وخبر من قال له جني بأن فلانا سرق كذا كخبر إنسي مجهول فيفيد تهمة وإذا طلب المتهم بحق فمن عرف مكانه دل عليه

والقوادة التي تفسد النساء والرجال ما يجب عليها الضرب البليغ وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض هذا في النساء والرجال وإذا ركبت دابة وضمت علهيا ثيابها ونودي عليها هذا جزاء من يفعل كذا وكذا كان من أعظم الجرائم إذ هي بمنزلة عجوز السوء امرأة لوط وقد أهلكها الله تعالى مع قومها

ومن قال لمن لامه الناس تقرأون تواريخ آدم وظهر منه قصد معرفتهم بخطيئته عزر ولو كان صادقا وكذا من يمسك الجنة ويدخل النار ونحوه وكذا من ينقص مسلما بأنه مسلماني أو أباه مع حسن إسلامه ومن غضب فقال ما نحن مسلمون إن أراد ذم نفسه لنقص دينه فلا حرج فيه ولا عقوبة ومن قال لذمي يا حاج عزر لأن فيه تشبيه قاصد الكنائس بقاصد بيت الله وفيه تعظيم ذلك فهو بمنزلة من يشبه أعياد الكفار بأعياد المسلمين وكذا يعزر من يسمي من زار القبور والمشاهد حاجا إلا أن يسمى حاجا بقيد كحاج الكفار والضالين ومن سمى زيارة ذلك حجا أو جعل له مناسك فإنه ضال مضل ليس لأحد أن يفعل في ذلك ما هو من خصائص حج البيت العتيق

وإن اشترى اليهودي نصرانيا فجعله يهوديا عزر على جعله يهوديا ولا يكون مسلما ولا يجوز للجذماء مخالطة الناس عموما ولا مخالطة الناس لهم بل يسكنون في مكان مفرد لهم ونحو ذلك كما جاءت به سنة رسول الله ﷺ وخلفائه وكما ذكره العلماء

وإذا امتنع ولي الأمر من ذلك أو المجذوم أثم بذلك وإذا أصر على ترك الواجب مع علمه به فسق ومن دعي عليه ظلما له أن يدعو على ظالمه بمثل ما دعا به عليه نحو أخزاك الله أو لعنك أو يشتمه بغير فرية نحو يا كلب يا خنزير فله أن يقول له مثل ذلك وإذا كان له أن يستعين بالمخلوق من وكيل ووال وغيرهما فاستعانته بخالقه أولى بالجواز ومن وجب عليه الحد بقتل أو غيره يسقط عنه بالتوبة وظاهر كلام أصحابنا لا يجب عليه التعزير كقولهم هو واجب في كل معصية لأحد فيها ولا كفارة

وذكر أبو العباس: في موضع آخر أن المرتد إذا قبلت توبته ساغ تعزيره بعد التوبة

فصل

ويقام الحد ولو كان من يقيمه شريكا لمن يقيمه عليه في المعصية أو عونا له ولهذا ذكر العلماء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يسقط بذلك بل عليه أن يأمر وينهي ولا يجمع بين معصيتين والرقيق إن زنا علانية وجب على السيد إقامة الحد عليه وإن عصى سرا فينبغي أن لا يجب عليه إقامته بل يخير بين ستره أو استتابته بحسب المصلحة في ذلك كما يخير الشهود على من وجب عليه الحد بين إقامتها عند الإمام وبين الستر عليه واستتابته بحسب المصلحة فإنه يرجح أن يتوب أن ستروه وإن كان في ترك إقامة الحد ضرر على الناس كان الراجح فعله ويجب على السيد بيع الأمة إذا زنت في المرة الرابعة ويجتمع الجلد والرجم في حق المحصن وهو رواية عن أحمد اختارها شيوخ المذهب

باب حكم المرتد

والمرتد من أشرك بالله تعالى أو كان مبغضا للرسول ﷺ ولما جاء به أو ترك إنكار منكر بقلبه أو توهم أن أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو جاز ذلك أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ومن شك في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمرتد وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد ولهذا لم يكفر النبي ﷺ الرجل الشاك في قدرة الله وإعادته لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة ومنه قول عائشة رضي الله عنها: [ مهما يكتم الناس يعلمه الله قال: نعم ]

وإذا أسلم المرتد عصم دمه وماله وإن لم يحكم بصحة إسلامه حاكم باتفاق الأئمة بل مذهب الإمام أحمد المشهور عنه وهو قول أبي حنيفة والشافعي أنه من شهد عليه بالردة فأنكر حكم بإسلامه ولا يحتاج أن يفي بما شهد عليه به وقد بين الله تعالى أنه يتوب عن أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع ومن شفع عنده في رجل فقال لو جاء النبي ﷺ يشفع فيه ما قبلت منه إن تاب بعد القدرة عليه قتل لا قبلها في أظهر قولي العلماء فيهما ولا يضمن المرتد ما أتلفه بدار الحرب أو في جماعة مرتدة ممتنعة وهو رواية عن أحمد اختارها الخلال وصاحبه

والتنجيم كالاستدلال بأحوال الفلك على الحوادث الأرضية هو من السحر ويحرم إجماعا وأقوال المنجمين إن الله يدفع عن أهل العبادة والدعاء ببركة ذلك ما زعموا أن الأفلاك توجبه وأن لهم من ثواب الدارين ما لا تقوى الأفلاك أن تجلبه

وأطفال المسلمين في الجنة إجماعا وأما أطفال المشركين فأصح الأجوبة فيهم ما ثبت في الصحيحين: أنه سئل عنهم رسول الله ﷺ فقال: [ الله أعلم بما كانوا عاملين ] فلا نحكم على معين منهم لا بجنة ولا نار ويروى أنهم يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع منهم دخل الجنة ومن عصى دخل النار وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن بعضهم في الجنة وبعضهم في النار والصحيح في أطفال المشركين أنهم يمتحنون في عرضات القيامة

كتاب الجهاد

ومن عجز عن الجهاد ببدنه وقدر على الجهاد بماله وجب الجهاد بماله وهو نص أحمد في رواية أبي الحكم وهو الذي قطع به القاضي في أحكام القرآن في سورة براءة عند قوله: { انفروا خفافا وثقالا } فيجب على الموسرين النفقة في سبيل الله وعلى هذا فيجب على النساء الجهاد في أموالهن إن كان فيها فضل وكذلك في أموال الصغار وإذا احتيج إليها كما تجب النفقات والزكاة وينبغي أن يكون محل الروايتين في واجب الكفاية فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعا

قال أبو العباس: سئلت عمن عليه دين وله ما يوفيه وقد تعين الجهاد فقلت من الواجبات ما يقدم على وفاء الدين كنفقة النفس والزوجة والولد الفقير ومنها ما يقدم وفاء الدين عليه كالعبادات من الحج والكفارات ومنها ما يقدم عليه إلا إذا طولب به كصدقة الفطر فإن كان الجهاد المتعين لدفع الضرر كما إذا حضره العدو أو حضر الصف قدم على وفاء الدين كالنفقة وأولى وإن كان استنفار فقضاء الدين أولى إذ الإمام لا ينبغي له استنفار المدين مع الاستغناء عنه ولذلك قلت لو ضاق المال عن إطعام جياع والجهاد الذي يتضرر بتركه قدمنا الجهاد وإن مات الجياع كما في مسألة التفرس وأولى فإن هناك نقتلهم بفعلنا وهنا يموتون بفعل الله

وقلت أيضا: إذا كان الغرماء يجاهدون بالمال الذي يستوفونه فالواجب وفاؤهم لتحصيل المصلحتين: الوفاء والجهاد ونصوص الإمام أحمد توافق ما كتبته وقد ذكرها الخلال قال القاضي إذا تعين فرض الجهاد على أهل بلد وكان على مسافة يقصر فيها الصلاة فمن شرط وجوبه الزاد والراحلة كالحج وما قاله القاضي من القياس على الحج لم ينقل عن أحمد وهو ضعيف فإن وجوب الجهاد قد يكون لدفع ضرر العدو فيكون أوجب من الهجرة ثم الهجرة لا تعتبر فيها الراحلة فبعض الجهاد أولى

وثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ أنه قال: [ على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه ] وأثره عليه فأوجب الطاعة التي عمادها الاستنفار في العسر واليسر وهنا نص في وجوبه مع الإعسار بخلاف الحج هذا كله في قتال الطلب

وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم وبين طلبه في بلاده والجهاد منه ما هو باليد ومنه ما هو بالقلب والدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة فيجب بغاية ما يمكنه ويجب على القعدة لعذر أن يخلفوا الغزاة في أهليهم ومالهم قال المروزي سئل أبو عبد الله عن الغزو في شدة البرد في مثل الكانونين فيتخوف الرجل إن خرج في ذلك الوقت أن يفرط في الصلاة فترى له أن يغزو أو يقعد قال لا يقعد الغزو خير له وأفضل

فقد قال الإمام أحمد بالخروج مع خشية تضييع الفرض لأن هذا مشكوك فيه أو لأنه إذا أخر الصلاة بعض الأوقات عن وقتها كان ما يحصل له من فضل الغزو مريبا على ما فاته وكثيرا ما يكون ثواب بعض المستحبات أو واجبات الكفاية أعظم من ثواب واجب كما لو تصدق بألف درهم وزكى بدرهم قال ابن بخنان سألت أبا عبد الله عن الرجل يغزو قبل الحج قال نعم إلا أنه بعد الحج أجود

وسئل أيضا عن رجل قدم يريد الغزو ولم يحج فنزل على قوم مثبطوه عن الغزو وقالوا إنك لم تحج تريد أن تغزو قال أبو عبد الله يغزو ولا عليه فإن أعانه الله حج ولا نرى بالغزو قبل الحج بأسا

قال أبو العباس: هذا مع أن الحج واجب على الفور عنده لكن تأخيره لمصلحة الجهاد كتأخير الزكاة الواجبة على الفور لانتظار قوم أصلح من غيرهم أو لضرر أهل الزكاة وتأخير الفوائت للانتقال عن مكان الشيطان ونحو ذلك وهذا أجود ما ذكره بعض أصحابنا في تأخير النبي ﷺ إن كان وجب عليه متقدما

وكلام أحمد يقتضي الغزو وإن لم يبق معه مال للحج لأنه قال فإن أعانه الله حج مع أن عنده تقديم الحج أولى كما أنه يتعين الجهاد بالشروع وعند استنفار الإمام لكن لو أذن الإمام لبعضهم لنوع مصلحة فلا بأس وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا وهو خير مما في المختصرات

لكن هل يجب على جميع أهل المكان النفير إذا نفر إليه الكفاية كلام أحمد فيه مختلف وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الإنصراف فيه بحال ووقعة أحد من هذا الباب والواجب أن يعتبر في أمور الجهاد وترامي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا دون الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يؤخذ برأيهم ولا يراءا أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا والرباط أفضل من المقام بمكة إجماعا

ولا يستعان بأهل الذمة في عمالة ولا كتابة لأنه يلزم منه مفاسد أو يفضي إليها وسئل أحمد في رواية أبي طالب في مثل الخراج فقال لا يستعان بهم في شيء ومن تولى منهم ديونا للمسلمين أينقض عهده ومن ظهر منه أذى للمسلمين أو سعى في فساده لم يجز استعماله وغيره أولى منه بكل حال فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه عهد أن لا يستعمل من أهل الردة أحدا وإن عاد إلى الإسلام لما يخاف من فساد ديانتهم وللامام عمل المصلحة في المال والأسرى لعمل النبي ﷺ بأهل مكة

وقال أبو العباس: في رده على الرافضي يقع منها التأويل في الدم والمال والعرض ثم ذكر قتل أسامة للرجل الذي أسلم بعد أن علاه بالسيف وخبر المقداد فقال قد ثبت أنهم مسلمون يحرم قتلهم ومع هذا فلم يضمن المقتول بقود ولا كفارة ولا دية لأن القاتل كان متأولا وهذا قول أكثرهم كالشافعي وأحمد وغيرهم وإن مثل الكفار بالمسلمين فالمثلة حق لهم فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر ولهم تركها والصبر أفضل وهذا حيث لا يكون في التمثيل السائغ لهم دعاء إلى الإيمان وحرز لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد ولم تكن القضية في أحد كذلك فلهذا كان الصبر أفضل فأما إن كانت المثلة حق الله تعالى فالصبر هناك واجب كما يجب حيث لا يمكن الانتصار ويحرم الجزع انتهى

باب قسمة الغنائم وأحكامها

لم ينص الإمام أحمد على أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالقهر ولا على عدمه وإنما نص على أحكام أخذ منها ذلك فالصواب أنهم يملكون ملكا مقيدا لا يساوي ملك المسلمين من كل وجه وإذا أسلموا وفي أيديهم أموال المسلمين فهي لهم نص عليه الإمام أحمد وقال في رواية أبي طلب ليس بين المسلمين اختلاف في ذلك

قال أبو العباس: وهذا يرجع إلى أن كل ما قبضه الكفار من الأموال قبضا يعتقدون جوازه فإنه يستقر لهم بالإسلام كالعقود الفاسدة والأنكحة والمواريث وغيرها ولهذا لا يضمنون ما أتلفوه على المسلمين بالإجماع وما باعه الإمام من الغنيمة أو قسمه وقلنا لم يملكوه ثم عرف ربه فالأشبه أن المالك لا يملك انتزاعه من المشتري مجانا لأن قبض الإمام بحق ظاهرا وباطنا ويشبه هذا ما يبيعه الوكيل والوصي ثم يتبين مودعا أو مغصوبا أو مرهونا وكذا القبض والقبض منه واجب ومنه مباح وكذلك صرفه منه واجب ومنه مباح قال في المحرر وكل ما قلنا قد ملكوه ما عدا أم الولد فإذا اغتنمناه وعرفه ربه قبل قسمته رد إليه إن شاء وإلا بقي غنيمة

قال أبو العباس: يظهر الفرق إذا قلنا قد ملكوه يكون الرد ابتداء ملك وإلا كان كالمغصوب وإذا كان ابتداء ملك فلا يملكه ربه إلا بالأخذ فيكون له حق الملك ولهذا قال وإلا بقي غنيمة والتحقيق أنه فيه بمنزلة سائر الغانمين في الغنيمة وهل يملكونها بالظهور أو بالقيمة على وجهين وعليهما من ترك حقه صار غنيمة ومثله لو ترك العامل حقه في المضاربة أو ترك أحد الورثة حقه أو أحد أهل الوقف المعين حقه ونحو ذلك وعلى ذلك إجازة الورثة ومثله عفو المرأة أو الزوج عن نصف الصداق قال في المحرر وإن لم يعرفه ربه بعينه قسم ثمنه وجاز التصرف فيه

قال أبو العباس: أما إذا لم يعلم أنه ملك المسلم فظاهر أنه لا يرده وأما إذا علم فهل يكون كاللقطة أو كالخمس والفيء واحدا أو يصير مصرفا في المصالح وهذا قول أكثر السلف ومذهب أهل المدينة ورواية عن أحمد ووجه في مذهبه وليس للغانمين إعطاء أهل الخمس قدره من غير الغنيمة وتحريق رجل الغال من باب التعزير لا الحد الواجب فيجتهد الإمام فيه بحسب المصلحة ومن العقوبة المالية حرمانه عليه السلام السلب للمددي لما كان في أخذه عدوانا على ولي الأمر

وإذا قال الإمام من أخذ فهو شيئا فهو له أو فضل بعض الغانمين على بعض وقلنا ليس له ذلك على رواية هل تباح لمن لا يعتقد جواز أخذه ويقال هذا مبني على الروايتين فيما إذا حكم بإباحة شيء يعتقده المحكوم له حراما

وقد يقال يجوز هنا قولا واحدا لا بالتفرق وإنا في تصرفات السلطان بين الجواز وبين النفوذ لأنا لو قلنا تبطل ولايته وقسمه وحكمه لما أمكن إزالة هذا الفساد إلا بأشد فسادا منه فينفذ دفعا لاحتماله ولما هو شر منه في الوفاء

والواجب أن يقال يباح الأخذ مطلقا لكن يشترط أن لا يظلم غيره إذا لم يغلب على ظنه أن المأخوذ أكثر من حقه ففيه نظر والتحريم في الزيادة أقرب وإن لم يغلب على ظنه واحد من الأمرين فالحل أقرب ولو ترك قمسة الغنيمة وترك هذا القول وسكت سكوت الأذن في الانتهاب واقر على ذلك فهو إذن فإن الأذن منه تارة يكون بالقول وتارة بالفعل وتارة بالإقرار على ذلك فالثلاث في هذا الباب سواء كما في إباحة المالك في أكل طعامه ونحو ذلك بل لو عرف أنه راض بذلك فيما يرون أن يصدر منه قول ظاهر أو فعل ظاهر أو إقرار فالرضا منه بتغيير إذنه بمنزلة أذنه الدال على ذلك إذ الأصل رضاه حتى لو أقام الحد وعقد الأنكحة من رضي الإمام بفعله ذلك كان بمنزلة إذنه على أكثر أصولنا فإن الأذن العرفي عندنا كالفظي والرضا الخاص كالإذن العام

فيجوز للإنسان أن يأكل طعام من يعلم رضاه بذلك لما بينهما من المودة وهذا أصل في الإباحة والوكالة والولاية لكن لو ترك القسمة ولم يرض بالانتهاب إما لعجزه أو لأخذه المال ونحو ذلك أو أجاز القسمة فهنا من قدر على أخذ مبلغ حقه من هذا المال المشترك فله ذلك لأن مالكيه متعينون وهو قريب من الورثة لكن يشترط انتفاء المفسدة من فتنة أو نحوها

وترضخ البغال والحمير وهو قياس المذهب والأصول كمن يرضخ لمن لا سهم له من النساء أو العبيد والصبيان وتجوز النيابة في الجهاد إذا كان النائب ممن لم يتعين عليه والطفل إذا سبي يتبع سابيه في الإسلام وإن كان مع أبويه وهو قول الأوزاعي ولأحمد نص يوافقه ويتبعه أيضا إذا اشتراه ويحكم بإسلام الطفل إذا مات أبواه أو كان نسبه منقطعا مثل كونه ولد زنا أو منفيا بلعان وقاله غير واحد من العلماء

باب الهدنة

ويجوز عقدها مطلقا ومؤقتا لازم من الطرفين يجب الوفاء به ما لم ينقضه العدو ولا ينقض بمجرد خوف الخيانة في أظهر قولي العلماء وأما المطلق فهو عقد جائز يعمل الإمام فيه بالمصلحة

وسئل أبو العباس: عن سبي ملطية مسلميها ونصاراها فحرم مال المسلمين وأباح سبي النصارى وذريتهم وما لهم كسائر الكفار إذ لا ذمة لهم ولا عهد لأنهم نقضوا عهدهم السابق من الأئمة بالمحاربة وقطع الطريق وما فيه الغضاضة علينا والإعانة على ذلك ولا يعقد لهم إلا من عن قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وهؤلاء التتر لا يقاتلونهم على ذلك بل بعد إسلامهم لا يقاتلون الناس على الإسلام ولهذا وجب قتال التتر حتى يلتزموا شرائع الإسلام منها الجهاد والتزام أهل الذمة بالجزية والصغار ونواب التتر الذين يسمون الملوك لا يجاهدون على الإسلام وهم تحت حكم التتر ونصارى ملطية وأهل المشرق ويهودهم لو كان لهم ذمة وعهد من ملك مسلم يجاهدهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية كأهل المغرب واليمن لما لم يعاملوا أهل مصر والشام معاملة أهل العهد جاز لأهل مصر والشام غزوهم واستباحة دمهم ومالهم لأن أبا جندل وأبا نصير حاربا أهل مكة مع أن بينهم وبين النبي ﷺ عهدا وهذا باتفاق الأئمة لأن العهد والذمة إنما يكون من الجانبين والسبي المشتبه يحرم استرقاقه ومن كسب شيئا فادعاه رجل أخذه فعلى الأخذ للمأخوذ منه ما غرمه عليه من نفقة وغيرها إن لم يعرف أنه ملكه أو ملك الغير أو عرف وأنفق غير متبرع والله أعلم

باب عقد الذمة وأخذ الجزية

والكتابة الذي بأيدي الخيابرة الذين يدعون أنه بخط علي في إسقاط الجزية عنهم باطل وقد ذكر الفقهاء من أصحابنا وغيرهم كأبي العباس بن شريح والقاضي ابن يعلى والقاضي الماوردي وذكر أنه إجماع وصدق في ذلك

قال أبو العباس: ثم إنه عام إحدى وسبعمائة جاءني جماعة من يهود دمشق بعهود في كلها أنه بخط علي بن أبي طالب في إسقاطه الجزية عنهم وقد لبسوها ما يقتضي تعظيمها وكانت قد نفقت على ولاة الأمور في مدة طويلة فأسقطت عنهم الجزية بسببها وبيدهم تواضع ولاة الأمور فلما وقفت عليها تبين لي في نقشها ما يدل على كذبها من وجوه عديدة جدا إذا كان من أهل الذمة زنديق يبطن جحود الصانع أو جحود الرسل أو الكتب المنزلة أو الشرائع أو المعاد ويظهر التدين يموافقة أهل الكتاب فهذا يجب قتله بلا ريب كما يجب قتل من ارتد من أهل الكتاب إلى التعطيل فإن أراد الدخول في الإسلام فهل يقال أنه يقتل أيضا ما يقتل منافق المسلمين لأنه ما زال يظهر الإقرار بالكتب والرسل أو يقال بل دين الإسلام فيه من الهدى والنور ما يزيل شبهته بخلاف دين أهل الكتابين هذا فيه نظر ويمنع أهل الذمة من إظهار الأكل في نهار رمضان فإن هذا من المنكر في دين الإسلام ويمنعون من تعلية البنيان على جيرانهم المسلمين

وقال العلماء: ولو في ملك مشترك بين مسلم وذمي لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب

والكنائس العتيقة إذا كانت بأرض العنوة فلا يستحقون إبقاءها ويجوز هدمها مع عدم الضرر علينا وإذا صارت الكنيسة في مكان قد صار في مسجد للمسلمين يصلى فيه وهو أرض عنوة فإنه يجب هدم الكنيسة التي به لما روى أبو داود في سننه عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: [ لا يجتمع قبلتان بأرض ] وفي أثر آخر: [ لا يجتمع بيت رحمة وبيت عذاب ]

ولهذا أقرهم المسلمون في أول الفتح على ما في أيديهم من كنائس العنوة بأرض مصر والشام وغير ذلك فلما كثر المسلمون وبنيت المساجد في تلك الأرض أخذ المسلمون تلك الكنائس فأقطعوها وبنوها مساجد وغير ذلك وتنازع العلماء في كنائس الصلح إذا استهدمت هل لهم إعادتها علىقولين ولو انقرض أهل مصر ولم يبق أحد ممن دخل في العقد المبتدأ فإن انتقض فكالمفتوح عنوة ويمنعون من ألقاب المسلمين كعز الدين ونحوه ومن حمل السلاح والعمل به وتعلم المقاتلة الدقاف والرمي وغيره وركوب الخيل ويستطب مسلم ذميا بقعة عنده كما يودعه ويعامله فلا ينبغي أن يعدل عنه ويكره الدعاء بالبقاء لكل أحد لأنه شيء قد فرغ منه ونص عليه الإمام أحمد في رواية أبي أصرم وقال له رجل جمعنا الله وإياك في مستقر رحمته فقال لا تقل هذا

وكان أبو العباس: يميل إلى أنه لا يكره الدعاء بذلك ويقول أن الرحمة ههنا المراد بها الرحمة المخلوقة ومستقرها الجنة وقول طائفة من السلف

واختلف كلام أبي العباس في رد تحية الذمي هل ترد مثلها أو وعليكم فقط ويجوز أن يقال أهلا وسهلا ويجوز عيادة أهل الذمة وتهنئتهم وتعزيتهم ودخولهم المسجد للمصلحة الراجحة كرجاء الإسلام وقال العلماء يعاد الذمي ويعرض عليه الإسلام وليس لهم إظهار شيء من شعار دينهم في دار الإسلام لا وقت الاستسقاء ولا عند لقاء الملوك ويمنعون من المقام في الحجاز وهو مكة والمدينة واليمامة والينبع وفدك وتبوك ونحوها وما دون المحنى وهو عقبة الصواب والشام كمعان والعشور التي تؤخذ من تجار أهل الحرب تدخل في أحكام الجزية وتقديرها على الخلاف

واختار أبو العباس: في رده على الرافضي أخذ الجزية في جميع العقار وأنه لم يبق أحد من مشركي العرب بعد بل كانوا قد أسلموا وقال في الاعتصام بالكتاب والسنة من أخذها من الجميع أو سوى بين المجوس وأهل الكتاب فقد خالف ظاهر الكتاب والسنة ولا يبقى في يد الراهب مال إلا بلغته فقط ويجب أن يؤخذ منهم مال كالورق التي في الديورة والمزارع إجماعا ومن له تجارة منهم أو زراعة وهو مخالطهم أو معاونهم على دينهم كمن يدعو إليه من راهب وغيره تلزمه الجزية وحكمه حكمهم بلا نزاع وإذا أبى الذمي بذل الجزية أو الصغار أو التزام حكمنا ينقض عهده

وساب الرسول يقتل ولو أسلم وهو مذهب أحمد ومن قطع الطريق على المسلمين أو تجسس عليهم أو أعان أهل الحرب على سبي المسلمين أو أسرهم وذهب بهم إلى دار الحرب ونحو ذلك مما فيه مضرة على المسلمين فهذا يقتل ولو أسلم ولو قال الذمي هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب ينغصون علينا إن أراد طائفة معينين عوقب عقوبة تزجره وأمثاله وإن ظهر منه قصد العموم ينقض عهده ووجب قتله

باب قسمة الفيء

ولا حق للرافضة في الفيء وليس لولاة الأمور أن يستأثروا منه فوق الحاجة كالإقطاع يصرفونه فيما لا حاجة إليه ويقدم المحتاج على غيره في الأصح عن أحمد

وعمال الفيء إذا خانوا فيه وقبلوا هدية أو رشوة فمن فرض له دون أجرته أو دون كفايته وكفاية عياله بالمعروف لم يستخرج منه ذلك القدر وإن قلنا لا يجوز لهم الأخذ خيانة فإنه يلزم الإمام الإعطاء كأخذ المضارب حصته أو الغريم دينه بلا إذن فلا فائدة في استخراجه ورده إليهم بل إن لم يصرفه الإمام مصارفه الشرعية لم يعن على ذلك وقد ثبت أن عمر شاطر عماله سعد وخالد وأبي هريرة وعمرو بن العاص ولم يتهمهم بخيانة بينة بل بمحاباة اقتضت أن جعل أموالهم بينهم وبين المسلمين ومن علم تحريم ما وزنه أو غيره وجهل قدره قسمه نصفين وللإمام أن يخص من أموال الفيء كل طائفة بصنف وكذلك في المغانم على الصحيح وليس للسلطان إطلاق الفيء دائما ويجوز للإمام تفضيل بعض الغانمين لزيادة منفعة على الصحيح انتهى

====

ومن كتاب الام للشافعي

الأمان

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال بعض الناس يجوز أمان المرأة المسلمة، والرجل المسلم لأهل الحرب فأما العبد المسلم فإن أمن أهل بغي أو حرب وكان يقاتل أجزنا أمانه كما نجيز أمان الحر وإن كان لا يقاتل لم نجز أمانه، فقلت له لم فرقت بين العبد يقاتل ولا يقاتل؟ فقال: قال رسول الله ﷺ (المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) فقلت له هذه الحجة عليك، قال ومن أين؟ قلت إن زعمت أن قول رسول الله ﷺ (يسعى بذمتهم أدناهم) على الأحرار دون المماليك فقد زعمت أن المملوك يؤمن وهو خارج من الحديث، قال ما هو خارج من الحديث وإنه ليلزمه اسم الإيمان، فقلت له فإن كان داخلا في الحديث فكيف زعمت أنه لا يجوز أمانه إذا لم يقاتل؟ قال إنما يؤمن المقاتلين مقاتل، قلت ورأيت ذلك استثناء في الحديث أو وجدت عليه دلالة منه؟ قال كان العقل يدل على هذا قلت ليس كما تقول الحديث والعقل معا يدلان على أنه يجوز أمان المؤمن بالإيمان لا بالقتال ولو كان كما قلت كنت قد خالفت أصل مذهبك قال ومن أين؟ قلت زعمت أن المرأة تؤمن، فيجوز أمانها والزمن لا يقاتل يؤمن فيجوز أمانه وكان يلزمك في هذين على أصل ما ذهبت إليه أن لا يجوز أمانهما لأنهما لا يقاتلان قال فإني أترك هذا كله فأقول: إن النبي ﷺ لما قال تتكافأ دماؤهم فدية العبد أقل من دية الحر فليس بكفء بدمه لدمه، فقلت له القول الذي صرت إليه أبعد من الصواب من القول الذي بان لك تناقض قولك فيه، قال ومن أين؟ قلت أتنظر في قول رسول الله ﷺ تتكافأ دماؤهم " إلى القود أم إلى الدية؟ قال إلى الدية، قلت فدية المرأة نصف دية الرجل وأنت تجيز أمانها، ودية بعض العبيد عندك أكثر من دية المرأة فلا تجيز أمانه؟ وقد يكون العبد لا يقاتل أكثر دية من العبد يقاتل ولا تجيز أمانه ويكون العبد يقاتل عن مائة درهم فتجيز أمانه فقد تركت أصل مذهبك في إجازة أمان العبد المقاتل يساوي مائة درهم وفي المرأة، قال: فإن قلت إنما عنى " تتكافأ دماؤهم " في القود، قلت فقله قال فقد قلت فأنت تقيد بالعبد الذي لا يساوي عشرة دنانير الحر ديته ألف دينار كان العبد ممن يحسن قتالا أو لا يحسنه، قال إني لافعل وما هذا على القود قلت أجل ولا على الدية ولا على القتال، ولو كان على شيء من ذلك كنت قد تركته كله، قال فعلام هو؟ قلت على اسم الإيمان قال وإذا أسر أهل البغي أهل العدل وكان أهل العدل فيهم تجار فقتل بعضهم بعضا أو استهلك بعضهم لبعض مالا لم يقتص لبعضهم من بعض ولم يلزم بعضهم لبعض في ذلك شيء لأن الحكم لا يجري عليهم، وكذلك إن كانوا في دار حرب، فقلت له أتعني أنهم في حال شبهة بجهالهم وتنحيهم عن أهل العلم وجهالة من هم بين ظهرانيه ممن أهل بغي أو مشركين؟ قال لا ولو كانوا فقهاء يعرفون أن ما أتوا وما هو دونه محرم أسقطت ذلك عنهم في الحكم لأن الدار لا يجري عليها الحكم فقلت له إنما يحتمل قولك لا يجري عليها الحكم معنيين، أحدهما أن تقول ليس على أهلها أن يعطوا أن يكون الحكم عليهم جاريا، والمعنى الثاني أن يغلب أهلها عليها فيمنعوها من الحكم في الوقت الذي يصيب فيه هؤلاء الحدود فأيهما عنيت؟ قال أما المعنى الأول فلا أقول به على أهلها أن يصيروا إلى جماعة المسلمين ويستسلموا للحكم وهم بمنعه ظالمون مسلمون كانوا أو مشركين ولكن إذا منعوا دارهم من أن يكون عليها طاعة يجري فيها الحكم كانوا قبل المنع مطيعين يجري عليهم الحكم أو لم يكونوا مطيعين قبله فأصاب المسلمون في هذه الدار حدودا بينهم أو لله لم تؤخذ منهم الحدود ولا الحقوق بالحكم وعليهم فيما بينهم وبين الله عز وجل تأديتها فقلت له نحن وأنت تزعم أن القول لا يجوز إلا أن يكون خبرا أو قياسا معقولا فأخبرنا في أي المعنيين قولك؟ قال قولي قياس لا خبر قلنا فعلام قسته؟ قال على أهل دار المحاربين يقتل بعضهم بعضا ثم يظهر عليهم فلا نقيد منهم، قلت أتعني من المشركين؟ قال: نعم. فقلت له أهل الدار من المشركين يخالفون التجار والأسارى فيهم في المعنى الذي ذهبت إليه خلافا بينا. قال فأوجدنيه قلت أرأيت المشركين المحاربين لو سبى بعضهم بعضا ثم أسلموا أتدع السابي يتخول المسبي موقوفا له؟ قال نعم: قلت فلو فعل ذلك الأسارى أو التجار ثم ظهرنا عليهم، قال فلا يكون لهم أن يسترق بعضهم بعضا قلت أفرأيت أهل الحرب لو غزونا فقتلوا فينا ثم رجعوا إلى دارهم فأسلموا أو أسلموا قبل الرجوع أيكون على القاتل منهم قود؟ قال: لا. قلت فلو فعل ذلك الأسارى أو التجار غير مكرهين ولا مشتبه عليهم؟ قال: يقتلون قلت أفرأيت المسلمين أيسعهم أن يقصدوا قصد الأسارى والتجار من المسلمين ببلاد الحرب فيقتلونهم؟ قال لا بل محرم عليهم، قلت أفيسعهم ذلك في أهل الحرب؟ قال: نعم قلت أرأيت الأسارى والتجار لو تركوا صلوات ثم خرجوا إلى دار الإسلام أيكون عليهم قضاؤها أو زكاة كان عليهم أداؤها؟ قال: نعم قلت ولا يحل لهم في دار الحرب إلا ما يحل في دار الإسلام؟ قال: نعم قلت فإن كانت الدار لا تغير مما أحل الله لهم وحرم عليهم شيئا فيكون أسقطت عنهم حق الله عز وجل وحق الآدميين الذي أوجبه الله عز وجل فيما أتوا في الدار التي لا تغير عندك شيئا. ثم قلت ولا يحل لهم حبس حق قبلهم في دم ولا غيره؟ وما كان لا يحل لهم حبسه كان على السلطان استخراجه منهم عندك في غير هذا الموضع، فقال فإني أقيسهم على أهل البغي الذين أبطل ما أصابوا إذا كان الحكم لا يجري عليهم، قلت ولو قستهم بأهل البغي كنت قد أخطأت القياس، قال وأين؟ قلت أنت تزعم أن أهل البغي ما لم ينصبوا إماما ويظهروا حكمهم يقاد منهم في كل ما أصابوا وتقام عليهم الحدود والأسارى والتجار لا إمام لهم ولا امتناع فلو قستهم بأهل البغي كان الذي تقيم عليه الحدود من أهل البغي أشبه بهم لأنه غير ممتنع بنفسه وهم غير ممتنعين بأنفسهم وأهل البغي عندك إذا قتل بعضهم بعضا بلا شبهة ثم ظهرت عليهم أقدتهم وأخذت لبعضهم من بعض ما ذهب لهم من مال، فقال ولكن الدار ممنوعة من أن يجرى عليها الحكم بغيرهم فإنما منعتهم بأن الدار لا يجرى عليها الحكم، فقلت له فأنت إن قستهم بأهل الحرب والبغي مخطئ وإنما كان ينبغي أن تبتدئ بالذي رجعت إليه، قال فيدخل علي في الذي رجعت إليه شيء؟ قلت نعم قال وما هو؟ قلت أرأيت الجماعة من أهل القبلة يحاربون فيمتنعون في مدينة أو صحراء فيقطعون الطريق ويسفكون الدماء ويأخذون الأموال ويأتون الحدود؟ قال يقام هذا كله عليهم قلت ولم وقد منعوا هم بأنفسهم دارهم ومواضعهم حتى صاروا لا تجري الأحكام عليهم؟ وإن كنت إنما ذهبت إلى أنه أسقط الحكم عن المسلمين امتناع الدار فهؤلاء منعوا الدار بأنفسهم من أن يجرى عليها حكم وقد أجريت عليهم الحكم فلم أجريته على قوم في دار ممنوعة من القوم وأسقطته عن آخرين؟ وإن كنت قلت يسقط عن أهل البغي فأولئك قوم متأولون مع المنعية مشبه عليهم يرون أن ما صنعوا مباح لهم والأسارى والتجار الذين أسقطت عنهم الحدود يرون ذلك محرما عليهم؟ فإنما قلت هذا في المحاربين من أهل القبلة بأن الله تعالى حكم عليهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف قلت له أفيحتمل أن يكون الحكم عليهم إن كانوا غير ممتنعين؟ قال نعم ويحتمل وكل شيء إلا وهو يحتمل ولكن ليس في الآية دلالة عليه والآية على ظاهرها حتى تأتي دلالة على باطن دون ظاهر.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قلت له ومن قال بباطن دون ظاهر بلا دلالة له في القرآن والسنة أو الإجماع مخالف للآية قال نعم فقلت له فأنت إذا تخالف آيات من كتاب الله عز وجل قال وأين؟ قلت قال الله تبارك وتعالى {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} وقال الله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقال عز ذكره {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} فزعمت في هذا وغيره أنك تطرحه عن الأسارى والتجار بأن يكونوا في دار ممتنعة ولم تجد دلالة على هذا في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسول الله ﷺ ولا إجماع فتزيل ذلك عنهم بلا دلالة وتخصهم بذلك دون غيرهم وقال بعض الناس لا ينبغي لقاضي أهل البغي أن يحكم في الدماء والحدود وحقوق الناس وإذا ظهر الإمام على البلد الذي فيه قاض لأهل البغي لم يرد من حكمه إلا ما يرد من حكم غيره من قضاة غير أهل البغي وإن حكم على غير أهل البغي فلا ينبغي للإمام أن يجيز كتابه خوف استحلاله أموال الناس بما لا يحل له.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان غير مأمون برأيه على استحلال ما لا يحل له من مال امرئ أو دمه لم يحل قبول كتابه ولا إنفاذ حكمه، وحكمه أكثر من كتابه فكيف يجوز أن ينفذ حكمه وهو الأكثر ويرد كتابه وهو الأقل؟ وقال من خالفنا إذا قتل العادل أباه ورثه وإذا قتل الباغي لم يرثه وخالفه بعض أصحابه فقال هما سواء يتوارثان لأنهما متأولان وخالفه آخر فقال لا يتوارثان لأنهما قاتلان.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: الذي هو أشبه بمعنى الحديث أنهما سواء لا يتوارثان ويرثهما غيرهما من ورثتهما.

[قال الشافعي]: قال من خالفنا يستعين الإمام على أهل البغي بالمشركين إذا كان حكم المسلمين ظاهرا.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فقلت له إن الله عز وجل أعز بالإسلام أهله فخولهم من خالفهم بخلاف دينه فجعلهم صنفين صنفا مرقوقين بعد الحرية وصنفا مأخوذا من أموالهم ما فيه لأهل الإسلام المنفعة صغارا غير مأجورين عليه ومنعهم من أن ينالوا نكاح مسلمة وأباح نساء حرائر أهل الكتاب للمسلمين ثم زعمت أن لا يذبح النسك إذا كان تقربا إلى الله جل ذكره أحد من أهل الكتاب فكيف أجزت أن تجعل المشرك في منزلة ينال بها مسلما حتى يسفك بها دمه وأنت تمنعه من أن تسلطه على شاته التي يتقرب بها إلى ربه؟ قال حكم الإسلام هو الظاهر قلت: والمشرك هو القاتل والمقتول قد مضى عنه الحكم وصيرت حتفه بيدي من خالف دين الله عز وجل ولعله يقتله بعداوة الإسلام وأهله في الحال التي لا تستحل أنت فيها قتله.

[قال الشافعي]: وقلت له أرأيت قاضيا إن استقضى تحت يده قاضيا هل يولي ذميا مأمونا أن يقضي في حزمة بقل وهو يسمع قضاءه فإن أخطأ الحق رده؟ قال: لا قلت ولم؟ وحكم القاضي الظاهر؟ قال وإن. فإن عظيما أن ينفذ على مسلم شيء بقول ذمي قلت: إنه بأمر مسلم، قال وإن كان كذلك فالذمي موضع حاكم فقلت له أفتجد الذمي في قتال أهل البغي قاتلا في الموضع الذي لا يصل الإمام إلى أن يأمره بقتل إن رآه ولا كف؟ قال إن هذا كما وصفت ولكن أصحابنا احتجوا بأن النبي ﷺ استعان بالمشركين على المشركين قلت: ونحن نقول لك استعن بالمشركين على المشركين لأنه ليس في المشركين عز محرم أن نذله ولا حرمة حرمت إلا أن نستبقيها كما يكون في أهل دين الله عز وجل ولو جاز أن يستعان بهم على قتال أهل البغي في الحرب كان أن يمضوا حكما في حزمة بقل أجوز وقلت له: ما أبعد ما بين أقاويلك قال في أي شيء؟ قلت أنت تزعم أن المسلم والذمي إذا تداعيا ولذا جعلت الولد للمسلم وحجتهما فيه واحدة لأن الإسلام أولى بالولد قبل أن يصف الولد الإسلام. وزعمت أن أحد الأبوين إذا أسلم كان الولد مع أيهما أسلم تعزيرا للإسلام فأنت في هذه المسألة تقول هذا وفي المسألة قبلها تسلط المشركين على قتل أهل الإسلام.

============

كتاب ا لروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الحدود/باب حد المحارب

باب حد المحارب

هو أحد الأنواع المذكورة في القرآن القتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف أو نفي من الأرض لقوله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم قلت : أكثر أهل العلم على أن هذه الآية نزلت في أهل الإسلام لا الكفار بدليل قوله تعالى : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم والإسلام يحقن الدم سواء أسلم قبل القدرة عليه أو بعدها ، وإنما أضاف الحرب إلى الله ورسوله إيذاناً بأن حرب المسلمين كأنه حرب الله تعالى ورسوله .

أقول : ظاهر القرآن الكريم أن من صدق عليه أنه محارب لله ورسوله ساع في الأرض فساداً فإن عقوبته إما القتل أو الصلب أو القطع من خلاف أو النفي من الأرض من غير فرق بين كونه قتل أو لم يقتل . والظاهر أنه لا يجمع له بين هذه الأنواع ولا بين اثنين منها ، ولا يجوز تركه عن أحدها . هذا معنى النظم القرآني . فإن قلت : كيف عقوبة الصلب هل يفعل به ما يصدق عليه مسمى الصلب ، ولو كان قليلاً قلت يفعل به ما يصدق عليه أنه صلب عند أهل اللغة فإن كان الصلب عندهم هو الذي يفضي إلى الموت فذاك ، وإن كان أعم منه فالإمتثال يحصل بفرد من أفراده . وقال الشافعي : المكابرون في الأمصار قطاع . وقال أبو حنيفة : لا . وظاهر مذهب الشافعي في صفة الصلب أنه يقتل ويغسل ويصلي عليه . ثم يصلب ثلاثاً ثم ينزل ويدفن . وقيل يصلب حياً ثم يطعن حتى يموت مصلوباً وقال أبو حنيفة : لا يغسل ولا يصلى على قاطع الطريق ، ومعنى النفي عند الحنفية الحبس حتى يرى عليه أثر الصلاح . وعند الشافعي للإمام أن يحبس أو يغرب أو يطلبه للتعزيز ، والطلب نفي أيضاً لأنه حامل على هربه .

يفعل الإمام منها مارأى فيه صلاحاً لكل من قطع طريقاً ولو في المصر إذا كان قد سعى في الأرض فساداً هذا ظاهر ما دل عليه الكتاب العزيز من غير نظر إلى ما حدث من المذاهب ، فإن الله سبحانه قال : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا فضم إلى محاربة الله ورسوله أي معصيتهما السعي في الأرض فساداً ، فكان ذلك دليلاً على أن من عصى الله ورسوله بالسعي في الأرض فساداً كان حده ما ذكره الله في الآية ، ولما كانت الآية الكريمة نازلة في قطاع الطريق وهم العرنيون كان دخول من قطع طريقاً تحت عموم الآية دخولاً أولياً ثم حصر الجزاء في قوله : أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض فخير بين هذا الأنواع فكان للإمام أن يختار ما رأى فيه صلاحاً منها ، فإن لم يكن إمام فمن يقوم مقامه في ذلك من أهل الولايات فهذا ما يقتضيه نظم القرآن الكريم ، ولم يأت من الأدلة النبوية ما يصرف ما يدل عليه القرآن الكريم عن معناه الذي تقتضيه لغة العرب . وأما ما روي عن ابن عباس كما أخرجه الشافعي في مسنده أنه قال في قطاع الطريق : إذا قتلوا وأخذوا الأموال صلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً نفوا من الأرض فليس هذا الاجتهاد مما تقوم به الحجة على أحد ، ولو فرضنا أنه في حكم التفسير للآية . وإن كان مخالفاً لها غاية المخالفة ، ففي إسناده ابن أبي يحيى وهو ضعيف جداً لا تقوم بمثله الحجة . وأما ما روي عن ابن عباس أيضاً أن الآية نزلت في المشركين كما أخرجه أبو داود والنسائي عنه فذلك مدفوع بأنها نزلت في العرنيين وقد كانوا أسلموا كما في الأمهات . ولو سلمنا ما روي عن ابن عباس لم تقم به حجة من قال باختصاص ما في الآية بالمشركين لما تقرر من أن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . على أن في إسناد ذلك علي بن الحسين بن واقد وهو ضعيف . وقد ذهب إلى مثل ما ذهبنا إليه جماعة من السلف كالحسن البصري وابن المسيب ومجاهد وأسعد الناس بالحق من كان معه كتاب الله . وقد ثبت عن رسول الله (ﷺ) في العرنيين أنه فعل بهم أحد الأنواع المذكورة في الآية وهو القطع كما في الصحيحين وغيرها من حديث أنس . والمراد بالصلب المذكور في الآية هو الصلب على الجذوع أو نحوها حتى يموت إذا رأى الإمام ذلك ، أو يصلبه صلباً لا يموت فيه . فإن اسم الصلب يصدق على الصلب المفضي إلى الموت ، والصلب الذي لا يفضي إلى الموت . ولو فرضنا أنه يختص بالصلب المفضي إلى الموت لم يكن في ذلك تكرار بعد ذكر القتل ، لأن الصلب هو قتل خاص . وأما النفي من الأرض فهو طرده من الأرض التي أفسد فيها ، وقد قيل أنه الحبس وهو خلاف المعنى العربي .

فإن تاب قبل القدرة عليه سقط عنه ذلك لنص القرآن بذلك وهو قوله تعالى : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم قلت : معناه عند الشافعي إذا تاب قاطع الطريق قبل القدرة عليه يسقط عنه من العقوبة ما يختص بقطع الطريق ، فإن كان قتل يسقط تحتم القتل ويبقى عليه القصاص ، فالولي فيه بالخيار إن شاء استوفاه وإن شاء عفا عنه . وإن كان قد أخذ المال سقط عنه قطع اليد والرجل ، وقيل في سقوط قطع اليد حكمه حكم السارق في البلد إذا تاب . وإن كان قد قتل وأخذ المال سقط عنه تحتم القتل والصلب ، وإذا تاب بعد القدرة لا يسقط عنه شئ من العقوبات . ولا يسقط سائر الحدود بالتوبة قبل القدرة عليه ، وهذا أظهر قولي الشافعي . والقول الثاني : أن كل عقوبة تجب حقاً لله تعالى مثل عقوبات قاطع الطريق وقطع السرقة وحد الزنا والشرب تسقط بالتوبة . لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .

وأقول : الآية ليس فيها إلى الإشارة إلى عفو الله ورحمته لمن تاب قبل القدرة . وليس فيها القطع بحصول المغفرة والرحمة لمن تاب . ولو سلم القطع فذلك في الذنوب التي أمرها إلى الله فيسقط بالتوبة الخطاب الأخروي والحد الذي شرعه الله . وأما الحقوق التي للآدميين من دم أو مال أو عرض فليس في الآية ما يدل على سقوطها . ومن زعم أن ثم دليلاً يدل على السقوط فما الدليل على هذا الزعم

=====

من كتاب الام

حد قاطع الطريق

[قال الشافعي]: رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا} الآية.

[قال الشافعي]: أخبرنا إبراهيم عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال، قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال، قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا هربوا طلبوا حتى يوجدوا فتقام عليهم الحدود وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض.

[قال الشافعي]: وبهذا نقول وهو موافق معنى كتاب الله تبارك وتعالى وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم فأما أهل الشرك فلا حدود فيهم إلا القتل أو السباء والجزية واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما إن شاء الله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فمن تاب قبل أن يقدر عليه سقط حق الله عنه وأخذ بحقوق بني آدم. ولا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قيمة ربع دينار فصاعدا قياسا على السنة في السارق.

[قال الشافعي]: رحمه الله والمحاربون الذين هذه حدودهم القوم يعرضون بالسلاح للقوم حتى يغصبوهم مجاهرة في الصحاري والطرق [قال]: وأرى ذلك في ديار أهل البادية وفي القرى سواء إن لم يكن من كان في المصر أعظم ذنبا فحدودهم واحدة فإذا عرض اللصوص لجماعة أو واحد مكابرة بسلاح فاختلف أفعال العارضين فكان منهم من قتل وأخذ المال ومنهم من قتل ولم يأخذ مالا ومنهم من أخذ مالا ولم يقتل ومنهم من كثر الجماعة وهيب ومنهم من كان ردءا للصوص يتقوون بمكانه أقيمت عليهم الحدود باختلاف أفعالهم على ما وصفت. وينظر إلى من قتل منهم وأخذ مالا فيقتله ويصلبه وأحب إلي أن يبدأ بقتله قبل صلبه؛ لأن في صلبه وقتله على الخشبة تعذيبا له يشبه المثلة وقد قال غيري: يصلب ثم يطعن فيقتل. وإذا قتل ولم يأخذ مالا قتل ودفع إلى أوليائه فيدفنوه أو يدفنه غيرهم، ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت ثم رجله اليسرى ثم حسمت في مكان واحد وخلي، ومن حضر وكثر وهيب أو كان ردءا يدفع عنهم عزر وحبس وسواء افترقت أفعالهم كما وصفت في مقام واحد أو كانت جماعة كابرت ففعلت فعلا واحدا مثلا: قتل وحده أو قتل وأخذ مال أو أخذ مال بلا قتل حد كل واحد منهم حد مثله بقدر فعله ولو هيبوا ولم يبلغوا قتلا ولا أخذ مال عزروا ولو هيبوا وجرحوا أقص منهم بما فيه القصاص وعزروا وحبسوا ولو كان القاتل قتل منهم رجلا وجرح آخر أقص صاحب الجرح منه ثم قتل وكذلك لو كان أخذ المال وجرح أقص صاحب الجرح ثم قطع لا تمنع حقوق الله حقوق الآدميين في الجراح وغيرها ولو كانت الجراح مما لا قصاص فيه وهي عمد فأرشها كلها في مال الجارح يؤخذ دينا من ماله. وإن قتل أو قطع فأراد أهل الجراح عفو الجراح فذلك لهم. وإن أراد أولياء المقتولين عفو دماء من قتلوا لم يكن ذلك يحقن دماء من عفوا عنه وكان على الإمام أن يقتلهم إذا بلغت جنايتهم القتل.

[قال الشافعي]: رحمه الله وأحفظ عن بعض أهل العلم قبلنا أنه قال: يقتلون وإن قتلوا عبدا أو ذميا على مال يأخذونه وهذا مخالف للقتل على غير الغيلة [قال]: ولقوله هذا وجه؛ لأن الله عز وجل ذكر القتل والصلب فيمن حارب وسعى في الأرض فسادا فيحتمل أن يكون إذا نيل هذا من عبد أو ذمي من المحاربة أو الفساد ويحتمل أن يكونوا إذا فعلوا ما في مثله القصاص. وإن كنت أراه قد خالف سبيل القصاص في غيره؛ لأن دم القاتل فيه لا يحقن بعفو الولي عنه ولا يصلحه. لو صالح فيه كان الصلح مردودا وفعل المصالح؛ لأنه حد من حدود الله عز وجل ليس فيه خبر يلزم فيتبع ولا إجماع أتبعه ولا قياس بتفرق فيصح وإنما أستخير الله فيه.

========

الفتاوي الكبري لابن تيمية

في لفظ الصلاح والفساد

من هذا الباب لفظ الصلاح والفساد: فإذا أطلق الصلاح تناول جميع الخير وكذلك الفساد يتناول جميع الشر كما تقدم في اسم الصالح وكذلك اسم المصلح والمفسد قال تعالى في قصة موسى: {أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} [1] {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [2].

وقال تعالى: {وَإذا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [3] {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [4]. والضمير عائد على المنافقين في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِالله وَبِالْيَوْمِ الآخر وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} [5] وهذا مطلق يتناول من كان على عهد النبي ﷺ ومن سيكون بعدهم، ولهذا قال سلمان الفارسي: إنه عنى بهذه الآية قوما لم يكونوا خلقوا حين نزولها وكذا قال السدي عن أشياخه: الفساد الكفر والمعاصي.

وعن مجاهد: ترك امتثال الأوامر واجتناب النواهي. والقولان معناهما واحد. وعن ابن عباس: الكفر. وهذا معنى قول من قال: النفاق الذي صافوا به الكفار وأطلعوهم على أسرار المؤمنين. وعن أبي العالية ومقاتل: العمل بالمعاصي.

وهذا أيضا عام كالأولين. وقولهم: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [6] فسر بإنكار ما أقروا به أي: إنا إنما نفعل ما أمرنا به الرسول. وفسر: بأن الذي نفعله صلاح ونقصد به الصلاح وكلا القولين يروى عن ابن عباس وكلاهما حق فإنهم يقولون هذا وهذا، يقولون: الأول لمن لم يطلع على بواطنهم. ويقولون: الثاني لأنفسهم ولمن اطلع على بواطنهم. لكن الثاني يتناول الأول، فإن من جملة أفعالهم إسرار خلاف ما يظهرون وهم يرون هذا صلاحًا قال مجاهد: أرادوا أن مصافاة الكفار صلاح لا فساد.

وعن السدي: إن فعلنا هذا هو الصلاح وتصديق محمد فساد، وقيل: أرادوا أن هذا صلاح في الدنيا فإن الدولة إن كانت للنبي ﷺ، فقد أمنوا بمتابعته وإن كانت للكفار، فقد أمنوهم بمصافاتهم. ولأجل القولين قيل في قوله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [7] أي لا يشعرون أن ما فعلوه فساد لا صلاح. وقيل: لا يشعرون أن الله يطلع نبيه على فسادهم. والقول الأول يتناول الثاني، فهو المراد كما يدل عليه لفظ الآية. وقال تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [8] وقال: {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [9] وقول يوسف {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [10].

وقد يقرن أحدهما بما هو أخص منه كقوله: {وَإذا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَالله لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} [11] قيل: بالكفر وقيل: بالظلم، وكلاهما صحيح وقال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} [12] وقد تقدم قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [13].

وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [14] وقتل النفس الأول من جملة الفساد لكن الحق في القتل لولي المقتول وفي الردة والمحاربة والزنا، الحق فيها لعموم الناس، ولهذا يقال: هو حق لله ولهذا لا يعفي عن هذا كما يعفي عن الأول لأن فساده عام قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أو يُصَلَّبُواْ أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} [15] الآية. قيل: سبب نزول هذه الآية العرنيون الذين ارتدوا وقتلوا وأخذوا المال. وقيل: سببه ناس معاهدون نقضوا العهد وحاربوا. وقيل: المشركون، فقد قرن بالمرتدين المحاربين وناقضي العهد المحاربين وبالمشركين المحاربين.

وجمهور السلف والخلف على أنها تتناول قطاع الطريق من المسلمين والآية تتناول ذلك كله، ولهذا كان من تاب قبل القدرة عليه من جميع هؤلاء فإنه يسقط عنه حق الله تعالى.

وكذلك قرن الصلاح والإصلاح بالإيمان في مواضع كثيرة كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [16]. {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [17].

ومعلوم أن الإيمان أفضل الإصلاح وأفضل العمل الصالح كما جاء في الحديث الصحيح أنه «قيل: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله». وقال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [18]. وقال: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [19]. وقال: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [20]. وقال في القذف: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [21]. وقال في السارق: {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ}[22]. وقال: {وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا} [23].

ولهذا شرط الفقهاء في أحد قوليهم في قبول شهادة القاذف أن يصلح وقدروا ذلك بسنة كما فعل عمر بصبيغ بن عسل لما أجله سنة، وبذلك أخذ أحمد في توبة الداعي إلى البدعة أنه يؤجل سنة كما أجل عمر صبيغ بن عسل.

هامش

[القصص: 19]

[الأعراف: 142]

[البقرة: 11]

[البقرة: 12]

[البقرة: 8]

[البقرة: 11]

[البقرة: 12]

[الأعراف: 196]

[يونس: 81]

[يوسف: 101]

[البقرة: 205]

[القصص: 83]

[القصص: 4]

[المائدة: 32]

[المائدة: 33]

[الكهف: 107]

[الأنعام: 48]

[طه: 82]

[مريم: 60]

[الفرقان: 70]

[النور: 5]

[المائدة: 39]

[النساء: 16]

==== =========

 

كتاب الطلاق في البخاري

  كتاب الطلاق 71 - كتاب الطلاق قول الله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة} /الطلاق: 1/. {أحصيناه} /يس: 12/...